صفحات العالم

سوريا: لماذا يعد «الإهمال الحميد» خطأ؟


أمير طاهري

خلال الأسابيع القليلة الماضية، انضمت مجموعة جديدة إلى المدافعين عن الرئيس السوري بشار الأسد، وتضم هذه المجموعة المعلقين الإسرائيليين و/أو المدافعين عن إسرائيل في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة.

ولكي نكون منصفين، فقد اتفق معظمهم على أن نظام الأسد يعد أحد أكثر الأنظمة الفاسدة والوحشية التي أنتجها الطغاة العرب في العصر الحديث، ومع ذلك، فهم مصرون على أن الديمقراطيات الغربية ليست لها أي مصلحة في مساعدة القوات المناهضة للأسد للوصول إلى السلطة، ويشيرون إلى شكل جديد من أشكال ما يسمى بـ«الإهمال الحميد»، والذي يعني تراجع الديمقراطيات الغربية وانتظارها لما سيسفر عنه الصراع في سوريا.

ويستشهد أصحاب نظرية «الإهمال الحميد» بأربع حجج توضح السبب في أن الديمقراطيات الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ليست لديها أي مصلحة في تغيير النظام في سوريا. وأولى هذه الحجج هي أن سقوط نظام الأسد يعني قدوم نظام آخر معادٍ للمصالح الغربية. وتكمن المشكلة في تلك الحجة في أن سوريا لديها بالفعل نظام معادٍ للقيم والمصالح الغربية. ومن دون دعم شامل من قبل الجمهورية الإسلامية في طهران ونظام الحرب الباردة الجديدة في موسكو، فإن الأسد لن يستمر طويلا في سدة الحكم. وفي وقت ما كان النظام السوري يتمتع بقدر من الاستقلال مكنه من إقامة علاقات عمل مع الدول الغربية والعربية على حد سواء. وفي الحقيقة، لم يعد هذا الاستقلال موجودا الآن، وأي شخص يلقي نظرة سريعة على وسائل الإعلام الإيرانية سوف يدرك أن الخيارات الاستراتيجية لسوريا تعتمد الآن على طهران، وليس على دمشق.

والحجة الثانية هي أن سقوط الأسد قد يجعل السلطة تصل للإسلاميين الذين سيضطهدون الأقليات العرقية والدينية في سوريا، لا سيما المسيحيين الذين يصل عددهم إلى نحو 1.8 مليون نسمة. ومع ذلك، لا يوجد أي دليل يدعم هذا الزعم، لأنه حتى المسحيين السوريين يقاتلون من أجل نيل الحرية كغيرهم من السوريين. وعلاوة على ذلك، فإن قادة الثورة الشعبية هم من داخل وخارج الشبكات الإسلامية التقليدية التي كانت تقاتل نظام الأسد منذ عقود. وتظهر تجربة الدول الأخرى من دول «الربيع العربي»، في الوقت الحالي، أنه لا يوجد حزب إسلامي قادر على فرض ديكتاتورية جديدة.

ويكمن الافتراض الثالث، أو الحجة الثالثة، في أن نظام الأسد قد خدم مصالح الأمن الإسرائيلية على مدار عقود، وأن النظام الجديد في دمشق، لا سيما إذا ما تمت السيطرة عليه من الإسلاميين، قد يشكل تهديدا للدولة اليهودية. وحتى هذا الافتراض تحوم حوله الكثير من علامات الاستفهام.

في البداية، نود أن نؤكد على أن كل الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد جيرانها من الدول العربية لم يكن السبب في اندلاعها نظاما إسلاميا، لكنها اندلعت من جانب أنظمة علمانية يسيطر عليها رجال الجيش، وحتى الحروب المصغرة التي اندلعت في لبنان وغزة لم تكن جماعات حزب الله أو حماس الإسلامية هي البادئة بها، لكنها بدأت من قبل إسرائيل. وحتى حرب العصابات الطويلة التي استمرت لثلاثة عقود والتي شنها الفلسطينيون ضد إسرائيل قبل توقيع اتفاقية أوسلو كانت من قبل اليساريين والجماعات التي كانت معادية للدين في كثير من الأحيان بقيادة شخصيات مثل ياسر عرفات وجورج حبش.

ولن تتمكن إسرائيل أبدا من تحقيق حلمها المتمثل في «الأمن» ما لم تنجح في إقناع جيرانها بأن يقبلوها كجزء من بيئتهم الجيوسياسية. ولا يمكن لأي نظام أن يفكر في ذلك القبول ما لم يكن مدعوما من شعبه. ويبدو كل شيء أكثر تعقيدا عندما نتذكر أن نظام الأسد يدين بالفضل الآن لطهران التي يتحدث قادتها الآن عن «محو إسرائيل من على الخريطة».

وعلى أي حال، فإن الزعم بأن المذبحة المستمرة للمدنيين في سوريا الآن هي شيء جيد بالنسبة لإسرائيل يمكن بالكاد اعتباره بمثابة مجاملة للدولة اليهودية.

ويدور الافتراض الرابع حول المبدأ الذي يتعين احترامه – والذي يتم احترامه نادرا في واقع الأمر – وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وفي الحقيقة، يكون هذا المبدأ ذا مغزى ومعنى في حالة الدول التي لا تكون حكوماتها في حالة حرب مع شعوبها، أما في الحالة السورية فهناك بالفعل تدخل خارجي. وعلى الرغم من أنه لا يوجد دليل على تدخل القوات الإيرانية بشكل مباشر في الصراع الحالي في سوريا، فهناك دليل دامغ على وجود مئات «المستشارين» العسكريين الإيرانيين في سوريا بزعم تقديم التدريب على استخدام الأجهزة والمساعدة في أنظمة السيطرة والتحكم. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تقوم إيران بإرسال بعض من وحدات حزب الله لكي تقاتل بجانب عناصر الأسد في سوريا.

وربما يكون الشيء الأهم من ذلك هو أن روسيا قد أرسلت للتو قوة بحرية إلى ميناء طرطوس، وهناك خطط لإبقاء مئات من مشاة البحرية الروسية في الأراضي السورية بحجة حماية المدنيين السوريين.

وعلى الجانب الآخر، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أنه قد تم إرسال قوات من العديد من الدول العربية، لا سيما العراق، بهدف تقديم الدعم للوحدات المناهضة للأسد. ولا أعتقد أن أيا من هذه الافتراضات بالشيء الجديد، لكن الشيء الذي يربطها ببعضها بعضا هو اعتقاد كل القوى الإمبريالية أن مصالحها في الأجزاء النائية من إمبراطوريتها تتم حمايتها بشكل أفضل من قبل الأقليات، حيث عملت روما على تقوية وحداتها من القبائل الجرمانية والفرنجة على حدود إمبراطوريتها، كما قامت الإمبراطورية العثمانية بتجنيد العلويين والدروز وسمحت للأرمينيين واليهود بإدارة تجارتهم. وقامت بريطانيا والهند ببناء جيوش من خلال تجنيد الأقليات من المسلمين والسيخ، لا سيما في ولاية البنجاب وإقليم الشمال الغربي الحدودي. وفي الجزائر، فضل الفرنسيون تجنيد القبائل كجنود وضباط صف.

ومع ذلك، لا تستطيع الديمقراطيات الأميركية والغربية اليوم القيام بما كانت القوى الإمبريالية القديمة تقوم به، ولا يمكنها الزعم بأن حكم الأغلبية هو شيء جيد بالنسبة لها وسيئ للآخرين. والسؤال الآن هو: لماذا يتعين على السوريين إنكار ما يعتبره الأميركيون والأوروبيون الغربيون حقا إنسانيا؟

إن الجلوس ومشاهدة المجازر التي تحدث في سوريا هو شيء خطأ من الناحية الأخلاقية وسخيف من الناحية السياسية، وحتى في مجال السياسة الواقعية فإنه هزيمة للذات.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى