سوريا.. مسيحية وجهادية سلفية؟
طارق الحميد
بلغ الاستهتار بالنظام الأسدي حد توجيه تهمة إلى معارضة سورية مسيحية بالانتماء إلى السلفية الجهادية، فهل بعد هذا الاستهتار أي استهتار؟ وهل يمكن تصديق مثل هذا النظام الذي امتهن الكذب، وتزييف الحقائق، وبشكل فج؟ أمر لا يصدق على الإطلاق!
فقبل يومين وجه النظام الأسدي للشابة السورية المسيحية يارا ميشيل شماس، الملقبة بـ«ياسمينة سوريا»، تهمة الانتماء للسلفية الجهادية. وتعد يارا – البالغة من العمر 21 عاما – من الشابات السوريات اللاتي دعمن الثورة السورية منذ اندلاعها، متنقلة في أكثر المناطق تمردا على الأسد. وقصة «ياسمينة سوريا» هذه تبين أنه من الصعوبة بمكان تصديق هذا النظام بأي شكل من الأشكال، فهذا نظام يقول – زورا – إنه حامي الأقليات، وهذا ما يروج له بعض مسيحيي لبنان المحسوبين على الأسد في واشنطن. لكنه يلقي القبض على فتاة مسيحية بتهمة الانتماء إلى السلفية الجهادية!
وهذا النظام، أي نظام الطاغية الأسد، يقول إنه يقبل مهمة أنان بينما يقوم بإطلاق النار على وفد المراقبين الدوليين، أو من سميتهم «المذعورين»، وبعد كل ذلك يخرج السيد كوفي أنان ليقول إن على الأسد أن يتجنب اللحظة الحاسمة، وألا يستخدم الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين، الذين يقتلون يوميا على يد قوات الأسد، أمر مذهل ومحير، فمن يكذب على من هنا؟
فإذا كان المجتمع الدولي، ومعه السيد أنان، يريدان شراء الوقت، فليقولا ذلك للرأي العام بصراحة، ويبررا أسبابهما. أما إذا كانا – المجتمع الدولي وأنان – يصدقان فعلا وعود الأسد فهذه فضيحة لا تماثلها فضيحة. فقوات الأسد تلعب مع «المذعورين» الدوليين لعبة القط والفأر، فأينما حل المراقبون قامت قوات الأسد باستهداف مدينة سورية أخرى. فمسلسل القتل لم يتوقف إلى اليوم، وبنفس الوتيرة.
والفضيحة لا تقف هنا فقط، بل إن المنطقة، وتحديدا سوادها الأعظم من السنة، باتوا يشعرون بأن دماءهم مسترخصة، وأن المجتمع الدولي يمارس المؤامرة عليهم. وإذا كان كثير من الساسة العرب لا يقولون ذلك علنا أمام نظرائهم الغربيين، فإن هذا ما يشعر به الساسة خلف الأبواب المغلقة، ومعهم المثقفون، والأهم الرأي العام العربي. وقد تعمق هذا الشعور كثيرا بعد التصريحات الشهيرة لوزير الخارجية الروسي التي قال فيها إن بعض دول المنطقة تريد تنصيب حكم سني في سوريا بعد سقوط الأسد.
والأمر لا يقف هنا، بل إن البعض، في منطقتنا، بدأ يردد أسماء معينة من الكتاب الغربيين، وتحديدا الأميركيين، الذين اشتهروا بمتابعة قضايا المنطقة بعد أحداث الإرهاب في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في أميركا، وكتبوا كثيرا عن الأنظمة السنية في المنطقة، والفكر السني عموما، بينما يلتزم هؤلاء الكتاب الصحافيون الآن الصمت المطبق حيال ما يحدث من جرائم فظيعة في سوريا، رغم مقتل ما يزيد على أحد عشر ألف سوري.
فهل ما زال المجتمع الدولي، والسيد أنان، يصدقان الطاغية الأسد حتى وهو يتهم اليوم فتاة مسيحية بالانتماء إلى السلفية الجهادية، ويعتقدان بأنه سيلتزم بأي اتفاق، أو هدنة؟ أمر محير، ومذهل حقا!
الشرق الأوسط