صفحات العالم

سوريا: من التواطؤ الى التوافق؟

 

محمد ابرهيم

كثّف كل من جيش النظام و”الجيش الحر” هجماته في الايام الاخيرة في ما يبدو انه سباق مع مشروع بدأ يتبلور لوقف النار في سوريا. المشروع الذي اعلنت عناصره القمة الاسلامية الاخيرة في القاهرة، اساسه التغاضي عن قضية ازاحة الاسد والانتقال مباشرة الى الحوار بين المعارضة وممثلين للنظام ممن “لم تتلطخ ايديهم”.

تسمية “مفاوض النظام”، وتعيين مكان المفاوضات، ناهيك عن تركيب الوفد الذي يمثل المعارضة، قضايا معقدة تتطلب مفاوضات بحد ذاتها. لكن العاملين في هذا الاتجاه يبدو انهم يريدون تكريس مبدأ وقف النار ثم البناء عليه لتذليل العقد الباقية.

كل المعطيات الخارجية تشير الى تقاطع المواقف عند تسوية تبدأ بهدنة تبقي كل “جيش” حيث هو، وتتطور الى الاستعانة بمراقبين او قوات دولية للفصل.

الموقف الاميركي الذي كُشف عنصره الاخير مع اعلان ان اوباما رفض توصية معظم اركان ادارته بتسليح المعارضة، لم يعد يحتمل، اخلاقيا، سوى التوجه نحو ايجاد قاسم مشترك مع الموقف الروسي، الذي مهد منذ امد طويل الى امكان الفصل بين مصير الرئيس والمفاوضات. فكثيرا ما عبر المسؤولون الروس، على مختلف مستوياتهم، عن ان موقفهم من الاسد ليس اساس موقفهم من حل الازمة.

الاميركيون اظهروا خلال الاشهر الاخيرة ان سوريا هي المكان الذي سيبرهنون فيه عن انهم استوعبوا كل دروس التدخل المباشر السابق في المنطقة، فيما اثبت الروس ان موقفهم الاعتراضي في سوريا ليس نقطة انطلاق لمواجهة اوسع مع اميركا على الصعيد العالمي.

في سوريا اعاد الاميركيون والروس اكتشاف قاسمهم المشترك، العداء للارهاب الاسلامي الذي يستهدفهما معا، واتت تجربة التوافق الدولي على التدخل الفرنسي في مالي لتشير الى ان ما بدأ في 11 ايلول 2001 يمكن ان يبقى بندا اول على جدول اعمال العلاقات الدولية.

اما مشروع الحسم الذي يمارسه طرفا الازمة الداخلية، مدعومين من جهات اقليمية، فقد تحول في الممارسة الى تقاسم لسوريا بعدما فرضت القيود الاميركية- الروسية استبعاد امرين: انهيار على الطريقة الليبية، او عودة للنظام القديم.

حتى ايران التي تعتبر نظام الاسد “واسطة العقد” في معسكرها للمقاومة والممانعة، لم تعد بعيدة عن ادراك ان التمسك به يعني الحرب الاهلية الدائمة، وفي المقابل لم يعد اي من الداعمين الاقليميين للمعارضة السورية قادرا على اقناع احد بأن انتصار المعارضة لا يعني بالتتابع انتصار “جبهة النصرة”.

التواطؤ الدولي على سوريا يبدو انه في طريقه للانتقال من التدمير الى اعادة التركيب على حساب المجموعة الحاكمة والاسلاميين الذين يستلهمون “القاعدة”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى