سوريا: من ثورة إلى فوضى إلى عرض متواصل/ اوكتافيا نصر
مما لا شك فيه أن سوريا والسوريين يمرّون في مرحلة صعبة جداً. من الصعب ألا يشعروا باليأس والإحباط وبالأسى الشديد لما آلت إليه الأوضاع في بلادهم جراء التطورات الدراماتيكية المتسارعة. إنه لأمر محزن حقاً أن ينهار بلد بين ليلة وضحاها، ويصير شعبه مشرّداً وفقيراً وجائعاً في خيمٍ ينتظر التبرّعات والصدقات، أو يترقّب أن يلتفت أحد إلى معاناته ويُعيرها اهتماماً.
السوريون هم اليوم تحت رحمة الأثرياء والمشاهير، أو تحت رحمة أشخاص ليسوا أثرياء لكنهم يأملون في أن يصيروا معروفين، وكذلك تحت رحمة من يبحثون عن قضيّة يتبنّونها أو يتحيّنون فرصة للظهور في صورٍ يطغى مشهد الدمار على خلفيتها.
لقد تحوّلت محنة اللاجئين السوريين، ويا للأسف، خبراً عرَضياً حتى وسائل الإعلام سئمت الحديث عنه. بات الشر والموت والدمار روتيناً، ولم يعد المراسلون يجدون الكلمات المناسبة لتوصيف الوضع. تحوّلت سوريا القصّة المعهودة لثورة فاشلة وديكتاتور قاسٍ ومتعنّت. يتصدّر الإرهابيون والضحايا والعنف والبؤس الشديد والعوز، العناوين الرئيسية يومياً. ويظهر المشاهير على الساحة الآن، فيتحوّلون الخبر الذي يحجب الواقع المروِّع للمعاناة واليأس.
سأتجنّب عمداً ذكر الأسماء، لكنّ وسائل الإعلام تتلهّف لتغطية زيارات الشخصيات المرموقة. في الوقت نفسه، لا تكفّ المنظمات الإنسانية عن التنديد بالعنف وبالمرتكبين. ثم ماذا يحدث؟ لا شيء على الإطلاق. يسود الخدَر من جديد. ويسيطر الإحباط. لا تتوقّف معاناة الشعب السوري اطلاقا؛ بل إنها مستمرة حتى إنها تزداد حدّةً مع انتقال المشاهير إلى قضيتهم التالية، وهدفهم التالي، ووجهتهم المقبلة في العالم.
نحن، شأننا في ذلك شأن أشخاص كثر يُقلقهم هذا الوضع، لا نملك حلاً ولا مخرجاً لعرضه على الأفرقاء. الحقيقة هي أن هذا السأم الذي بدأ يصيب الدول المجاورة والمنطقة والعالم في تعاملها مع الملف السوري هو السبب الذي سيؤدّي إلى سقوط سوريا في أيدي الأكثر صبراً والذين ليس لديهم الكثير ليخسروه. إنهم من سيصمدون حتى النهاية، وهم من سيستمرون في القتال حتى لو لم يبقَ أحدٌ واقفاً على قدمَيه.
في غضون ثلاث سنوات، تحوّلت سوريا من حكاية أملٍ تستبشر خيراً بسلطة الشعب الحقيقية إلى رمز للطريق الذي يقود إلى خسارة الثورة. صحيح أن هذا الواقع محزن جداً، إلا أن الحكاية الأصعب التي ستتعلّمها الأجيال المقبلة أشدّ تحطيماً للمعنويات: لعل القصة الأتعس على الإطلاق هي أن ثمة أشخاصاً سيخسرون كل شيء من غير أن يربحوا أي شيء.
النهار