سوريا: هدنة الجنوب.. هدنة داعش/ صبر درويش
أثارت الهدنة، الجاري العمل عليها جنوب العاصمة دمشق، العديد من التساؤلات والتخوفات لدى قطاعات واسعة من الناشطين السوريين. فإذا ما تأكدت الأنباء حول الهدنة المزمع عقدها، بين قوات الأسد ومقاتلي المعارضة المسلحة، وتحديداً تنظيم داعش وألوية أبابيل حوران، في المنطقة الجنوبية من العاصمة دمشق، والتي تقضي بانسحاب كافة المقاتلين المنتشرين في المنطقة هناك باتجاه درعا والقنيطرة، فسيكون ذلك واحدة من الضربات القاصمة للثورة السورية، وستكون بداية لخسارات لن يمكن تعويضها في ما بعد.
تتألف المنطقة الجنوبية من عدد كبير من البلدات والأحياء التي تسيطر عليها كتائب الجيش الحر المختلفة. وبمجرد انتشار أخبار الهدنة باعتبارها تشمل المنطقة الجنوبية، فإن العديد من الكتائب المتواجدة في المنطقة أعلنت تنصلها منها متهمةً تنظيم داعش وألوية أبابيل حوران بالوقوف خلفها.
صقر الشام، وهو أحد المقاتلين في ألوية حذيفة ابن اليمان، المتواجد في حي القدم والعسالي الدمشقي يقول: “انتشر منذ أيام خبر انسحاب الجيش الحر والمجاهدين من المنطقة الجنوبية. وهو خبر عار عن الصحة، والذين نشروه هم تنظيم داعش وأبابيل حوران، وهم لا يمثلون الكتائب المقاتلة في الجنوب”. ويتابع صقر بالقول: “ونحن مجاهدي حي القدم نعلن أن لا علاقة لنا بالخبر الذي نشر. وبإذن الله سنبقى شوكة في حلق النظام وسنقاوم حتى أخر قطرة دم”.
ومن المعروف أن لواء حذيفة ابن اليمان، يعد واحداً من أقوى الألوية المتواجدة جنوب العاصمة، كما أن أغلب المقاتلين المنضوين تحت إمرته هم من أبناء المنطقة. ويأتي الموقف الذي أعلنته هذه الألوية مع بعض التشكيلات المقاتلة الأخرى في حي القدم والعسالي، لتنشر نوعاً من الطمأنينة لدى الأوساط المتخوفة من الهدنة، وتؤكد على استمرار تواجدها في المواقع المرابطة فيها. وهو موقف من الواضح أنه يلقى الدعم من قبل الأوساط الشعبية، والتي تعلمت عدم الثقة بعهود نظام الأسد ومواثيقه.
أنباء الهدنة غير المؤكدة كانت قد أثارت تخوفات العديد من الناشطين المتواجدين في المنطقة، فهذه الهدنة الشاملة، وعلى خلاف غيرها مما شهدته مدن وبلدات مختلفة في محيط العاصمة دمشق، سيترتب عليها تداعيات هي الأخطر من نوعها. وأولها، سيكون تأمين النظام للجبهة الجنوبية بعد أن سبقه تأمينه لجبهة القلمون. حينها ستتفرغ قواته للقتال في جبهة الغوطة الشرقية من جهة، وجبهتي داريا والمعضمية في الغوطة الغربية من جهة أخرى. هذا يعني بأن نظام الأسد سيستفرد بهذه الجبهات. وثانيها، سيكون تفرغ الأجهزة الأمنية لترتيب أوضاعها داخل العاصمة، مما سيعرضها لحملات دهم واعتقال واسعة، للقبض على ناشطي الثورة الذين مازالوا مُتخفيّن في أحياء دمشق. وثالثها، سيعني خسارة مدن وبلدات، دفع الثوار الغالي والرخيص في سبيل السيطرة عليها، عبر سنوات الصراع الماضية. وهي خسارة ستنهي حلم الدخول إلى العاصمة دمشق وإسقاط طاغيتها.
أما بالنسبة للناشطين غير المقاتلين، فيقول أحد الأطباء المتواجدين في المنطقة: “أربكنا موضوع الهدنة، إذ وجدنا انفسنا فجأة أمام خيارين؛ فإما أن ننسحب إلى درعا مع المقاتلين المنسحبين، أو علينا تسليم أنفسنا لتسوية أوضاعنا لدى النظام، وكلا الخيارين بالنسبة لنا مرّ”.
من جهة أخرى يقول أحد المقاتلين المتواجدين في المنطقة: “هناك أنباء متواترة حول انسحاب قوات المعارضة في الأيام القليلة القادمة نحو درعا والقنيطرة، وانا لست من هناك، وحتى هذه اللحظة لا أعلم بالضبط ما يتوجب عليّ القيام به. هل أبقى هنا وأغامر بحياتي ام أنسحب مع المنسحبين؟” ويتابع قائلاً: “نشعر بالخذلان، إذ أنني لا أريد التخلي عن الثورة التي خرجنا من أجلها، ولكن ما الخيارات المتاحة امامي؟”.
يجد الناشطون اليوم أنفسهم أمام خيارات صعبة، في ظل الحصار الذي يرزحون تحته وعدم قدرة الكتائب المقاتلة على فكه. مما يزيد الضغط على صمود هذه الجبهات، وقدرتها على التمسك بالمواقع التي تمت السيطرة عليها بعد أشهر طويلة من الصراع المرير.
المدن