سوريا: هل العالم مشلول؟
حامد الحمود
أثبتتت لنا المواقف السياسية الدولية أن أصدقاء قليلين ملتزمين بقضيتك أجدى وأكثر نفعا من كثيرين متعاطفين، لكنهم ليسوا متأكدين من طبيعة علاقتهم معك. فالحالة الأولى يمثلها موقف إيران وروسيا الداعمتين جدا ودوما للنظام السوري. أما الحالة الثانية، فيمثلها تعاطف عشرات الدول مع قوى المعارضة السورية، قدمت لها مساعدات، لكن الوعود كانت أكثر. بل إن ما قدم لها من وعود ودعم سياسي ورسائل صريحة بقرب سقوط النظام، جعلها تبالغ باندفاعاتها في معارك غير مستعدة لها بالقدر الكافي مع جيش النظام. كذلك كانت بخيلة في دعمها العسكري لقوى المعارضة، متوجسة من حضور قوي لفئات إسلامية متطرفة في صفوفها. وكأن النظام السوري كان أكثر تأثيرا في تشكل رؤى هذه الدول المعادية له.
والمفارقة أنه في الوقت الذي يكثف النظام السوري استخدامه الطائرات والمدفعية والدبابات في قصف مواقع المعارضة، وفي الوقت الذي يُكشف للعالم عن المذابح التي ارتكبت في داريا، يكتب ديفيد أغناثيوس في “الواشنطن بوست” محذرا من الدعم العسكري للمعارضة السورية نظراً الى تواجد بعض عناصر “القاعدة” في صفوفها، محذراً من ارتكاب أخطاء أفغانستان في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. هذا في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الاستخبارية أن المتطرفين الإسلاميين بين قوى المعارضة لا يتعدون بضع مئات، هذا من إجمالي قوى المعارضة المقاتلة التي تزيد على مئة ألف مقاتل. هذا ويبدو أن مثل هذه التحذيرات ستستمر لتبرير التلكؤ في تقديم الدعم للشعب السوري. ولعل السفير الألماني في الأمم المتحدة – بيتر فيتش كان يقدم اعترافا بقولة اخيراً: “نأسف لأننا مشلولون إلى هذه الدرجة … الوضع في سوريا مأسوي”.
لقد أساء العالم تقدير الاختلافات في بنية الأنظمة التي هب عليها الربيع العربي، والذي تحول في سوريا عاصفة مدمرة. فقد نسي العالم المتقدم الحروب الطائفية، لذا لم يتوقع عمق الاصطفاف الطائفي حول النظام. لم يفهم مثلا أن ما حدث من انشقاقات إلى تاريخه، لم يكن داخل السلطة الحاكمة، وإنما اقتصر على قليل من أفراد الدولة المعلنة أو الدولة الظاهرة كما يصفها الكاتب السوري المعارض ياسين الحاج صالح الذي يرى مثلا أن رياض حجاب الذي كان يشغل
قبل انشقاقه منصب الرجل الثاني في الدولة الظاهرة لا يعدو كونه موظفا محدود الأهمية. أما الدولة الباطنة أو النظام فهي مركب سياسي أمني قائم على علاقات الثقة الشخصية، ونواته الصلبة عائلية طائفية.
إن كان الربيع العربي ونسيمه الذي هب على تونس ومصر واليمن أدخل العرب في عصر جديد، وملأ قلوبنا تفاؤلا، فإن ما يجري في سوريا لأمر مخيف. فهناك أكثر من ثلاثة ملايين بين لاجئ في الداخل والخارج. ومن المحزن أن تتعود حواسنا على سماع ورؤية المجازر اليومية. إن حسابات العالم الجيو سياسية، بليدة الأحاسيس، وتفتقد الوازع الأخلاقي. فالعالم تعاطف وشجع الشعب السوري على الثورة، لكنه لم يفِ بوعوده، وظلت تحليلاته مبالغة في التأني والتردد أمام رؤية مآسٍ لا تتوقف. فعندما يصرح مسؤول في دولة محورية أن أيام الأسد أصبحت محدودة، لا بد أن يكون ذلك التزاما بجعلها فعلا محدودة والا فإن التصريح سيكون موهما وضارا.
كاتب كويتي
الكويت
النهار