سوريا.. هل بالغنا؟
طارق الحميد
كتبنا بالأمس أن التقسيم في سوريا بات أمرا واقعا، حيث يتقاسمها الآن إيران وروسيا، فطهران تحتلها من خلال «فيلق القدس»، وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، بينما تحتلها روسيا بامتلاكها القرار السياسي اليوم، وبالدعم بالسلاح، وها هي موسكو تعرض حماية الحدود السورية مع إسرائيل لحماية الأسد المختبئ في دمشق!
وعطفا على كل ما سبق، ختمنا مقال الأمس بالقول للعرب، تحديدا، وللغرب: يا سادة، لقد وصلنا لمرحلة: أنقذ نفسك، فماذا تنتظرون؟! فهل كان في ذلك مبالغة؟ بالطبع لا! فعلى من يريد معرفة خطورة تطورات «الغزو» الإيراني، بمساعدة روسية، لسوريا، أن يتأمل حال دولة مثل الأردن الآن! اليوم تجد عمان نفسها غارقة باللاجئين السوريين الذين يفوقون مقدرتها، اقتصاديا، وأمنيا، وفوق كل ذلك يجد الأردن نفسه متاخما للحدود السورية التي تعج بكل ثعالب وذئاب المنطقة، فهناك «فيلق القدس»، وحزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، وهناك السلاح الإيراني والروسي الذي يوزع بمعرفة كل من طهران بقيادة قاسم سليماني، ونظام الأسد بالطبع الذي هدد الأردن مرارا، وسمعنا كيف هدد الأردن قبل يومين بطرد سفير الأسد من عمان، كما أعلن عن إحباط عملية تهريب أسلحة من سوريا للأردن! فما الذي يمكن تخيله مع كل هذه الحقائق؟!
وليس الحديث هنا بالطبع عن ماذا لو انتصر الأسد، فالطاغية إلى زوال، رغم كل محاولات إنقاذه، فنظام الأسد متوفى سريريا، أو نظاميا، لكن الخطورة دائما هي عندما يسير من هو ينزف ومشارف على الموت، كما في أفلام عصابات المافيا، فالمؤكد أن الأسد لن يرحل من دون إحداث أكبر قدر من التخريب في سوريا والمنطقة، وأكبر المهددين بهذا الخراب هو الأردن، لأسباب عديدة، وخصوصا أن إيران من أشد المتربصين بالأردن، وحاولت طهران وتحاول زعزعة استقرار الأردن، أو احتواءه، سواء بالترغيب أو الترهيب، والأمر نفسه فعله نظام الأسد مع عمان، منذ تولى الطاغية حكم سوريا.
وعليه، فهذه هي الصورة الآن، والأردن مجرد نموذج للخطر القادم الذي يمثله الوجود الإيراني بسوريا، وخصوصا أن محاولات كثيرة تمت لجر عمان لحفرة الفوضى العربية بعد زلزال الربيع العربي، والآن الأردن مكشوف على سوريا بكل الذئاب الموجودة هناك، وعندما نقول إن الأردن مجرد نموذج، فعلينا تذكر الجبهات الأخرى الجاهزة للانفجار مثل الحوثيين في اليمن، والمجاميع الموالية لإيران في البحرين، وغيرهم، حيث لدى طهران وفرة واضحة بالعملاء في منطقتنا. ولذا فإن كل الوقائع تقول بضرورة التدخل الحاسم في سوريا الآن، ليس لإنقاذ ما تبقى هناك فحسب، خصوصا مع إعلان الأمم المتحدة أنه في أواخر هذا العام سيكون نصف سكان سوريا بحاجة لمساعدة، بل من أجل تجنيب المنطقة ككل الانفجار الكبير القادم بسبب الطوق الإيراني الخطر، والتقسيم الحاصل في سوريا الآن.
ومن هنا، فإن السؤال الملح هو: ما الذي ينتظره العرب القادرون، والغرب، للتدخل فعليا في سوريا؟! فالخطر يتعاظم، وليس في الأمر مبالغة!
الشرق الأوسط