سوريا.. هيبة الدولة تهمة تلاحق الصحافيين/ هوازن خداج
ثوابت كثيرة تغيرت في أذهان السوريين منذ العام 2011 ومن أهمها قدرتهم على التعبير والرفض بعد سنوات طويلة من القمع والاستبداد وتحكم الأفرع الأمنية وقانون الطوارئ في الحياة المدنية للسوريين، إلا أن هذه القدرة على التعبير التي اكتسبها السوريون لم تدفع عجلة النظام السوري لتجاوز ثوابت القمع ومصادرة الحريات، بحيث لا يبدو مستهجنا أن تظهر سوريا في تصنيفات “حرية الصحافة” للعام 2016 في المرتبة 22 عربيا من أصل 24 دولة، و177 عالميا من أصل 180 دولة في حرية الصحافة والصحافيين.
حرب مفتوحة ومعارك طاحنة طالت السوريين بكافة أطيافهم كانت حصيلة حراك شعبي لنيل المطالب والحقوق وتطبيق قوانين الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفتح المجال أمام حرية الصحافة والرأي. هذه المطالب اعتبرتها الحكومة السورية- في حينها- مطالب محقة وتحتاج إلى تفعيل الحوار بين المجتمع والسلطات القائمة، لكن هذا الحوار وتحقيق المطالب بقي في عالم الغيب. فقد وثق المركز السوري للحريات الصحافية 50 انتهاكا بينها 12 حالة قتل قام بها النظام وميليشياته حتى يونيو الماضي.
ووثقت بدورها الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 508 صحافيين على يد قوات النظام منذ مارس 2011 حتى العام 2016، عدا عمن يقبعون في السجون وتتم محاكمتهم في محكمة الإرهاب التي تعمل كبديل فعلي عن محكمة أمن الدولة وتمارس دورها في الاعتقال التعسفي وتفصيل التهم الفضفاضة للمعتقلين، والتي تجد سندها في قانون العقوبات السوري والمواد الخاصة في الجرائم الواقعة على أمن الدولة، ومنها النيل من “هيبة الدولة” التي أشعلت استنكارا واسعا وردود فعل غاضبة في صفوف الصحافيين السوريين، الموالين قبل المعارضين، بعد نشر الكتاب الموجه من وزير العدل السوري هشام الشعار إلى مجلس الوزراء في 8 مايو الماضي والذي جاء ردا على كتاب رئيس الحكومة عماد خميس بتاريخ 20 أبريل 2017، والذي يطلب فيه “إعداد مذكرة تفصيلية حول ما تتناوله بعض الوسائل الإعلامية والإعلاميين في الإعلام الرسمي من قضايا ومواضيع تستهدف العمل الحكومي وتساهم في إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين”.
وورد في الكتاب “يرجى التعميم على وزارات الدولة كافة، وموافاة وزارة العدل بالمواضيع الصحافية المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر ليصار إلى معالجتها وفقا للأنظمة والقوانين النافذة”، ما يدل على أن الموضوع قد أقر، وأن الصحافيين باتوا تحت مرمى ملاحقة وزارة العدل كرأس حربة لها الحق في اعتقال أي صحافي ينتقد المظاهر المشينة.
ما تضمنه هذا الكتاب من تهديد للصحافيين ليس جديدا، فمن المعروف أن معظم الكتاب والصحافيين السوريين توجهوا للنشر خارج حدود الوطن في الصحافة العربية أو الأجنبية، إلا أنها المرة الأولى التي يتبنى النظام “رسميا” قرار التضييق على الإعلام، حيث كان ينكل ويضيق على الصحافيين وهو يرفع شعار حرية الصحافة وإعلاء دور الإعلام الذي يصفه السوريون أنه إعلام من كوكب آخر بسبب بعده كل البعد عن مشاكلهم السياسية والخدمية.
لهذا تم اعتبار الكتاب وتهديده العاملين في وسائل الإعلام بداية لتكميم أفواههم والتضييق عليهم وسط نوايا حكومية يجري إعدادها لمنع الصحافيين من تناول الحكومة وأدائها، ومن تسليط الضوء على الانتهاكات الكثيرة التي يواجهها السوريون من قبل بعض مسؤولي النظام العسكريين والأمنيين (سرقة وخطف وقتل)، وفتح ملفات الفساد المكدّسة في مؤسسات الدولة، خصوصا أنه بتاريخ 15 مارس 2017 صدر قرار يقضي بإيقاف أحد المراسلين بسبب كشفه ملابسات سرقة المدنيين ومنازلهم الذي قامت به الميليشيات التابعة للنظام في حلب.
كتاب وزارة العدل أدى إلى موجة غضب عارمة لدى صحافيي “الموالاة” وتحولت صفحاتهم إلى مانشيتات وتساؤلات موجّهة للحكومة عن تعريفها لهيبة الدولة ومعايير إضعافها، وهل تعتبر سرقة المال العام واحتكار المواد التموينية ورفع الأسعار والتضييق على الناس والتنغيص عليهم مساهمات جبارة في تقوية هيبة الدولة، وعن وزارة العدل التي تدوس على العدل والعدالة وتقمع وتحارب من يطالب بها في مخالفة واضحة لبنود الدستور السوري الذي ينص “أن لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى”.
الصحافة المهنة المقموعة والمصادرة من قبل النظام باتت تحت مرمى نيرانه، والدستور السوري الذي يشرّع “أن الدولة تكفل حرية الصحافة”، لم يمتلك قدسية تنفيذ بنوده “الصورية”، أما هيبة الدولة التي تصنعها عدالة القانون وحماية الحريات وصون حقوق الجميع، تحوّلت لتهمة معلبة وجاهزة لأي فعل يتعلق بحرية الرأي والتعبير ولمن يتجاوزون الخطوط الحمراء العريضة، لتجعل من الصحافة مهنة مستحيلة.
كاتبة سورية
العرب