سوريا و(إسرائيل) على أعتاب مرحلة جديدة/ د. صالح النعامي
رغم محدودية الآثار التي ترتبت عليها عملية إطلاق الصواريخ على الجليل المحتل من الجولان السوري، إلا أنها تمثل حدثاً تأسيسياً لمرحلة جديدة، أضفى صدقية على مخاوف إسرائيل السابقة من تبعات ما يجري في بلاد الشام، على أمنها «القومي». وعلى الرغم من إن إسرائيل اتهمت حركة الجهاد الإسلامي بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ، وأن إيران من حرض الحركة على ذلك، إلا أن تل أبيب تنظر لهذا الحدث على أنه أوضح دليل على انهيار مرحلة «الهدوء الهادئة»، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءه.
وتأخذ تل أبيب في الاعتبار أنها ستكون عرضة لهجمات تشنها الجماعات الإسلامية السنية التي باتت تسيطر على خمسة أسداس سوريا، سيما في حال تمكنت من إسقاط نظام الأسد. وتفترض القيادة الإسرائيلية أن المستوطنات اليهودية المنتشرة في الجزء المحتل من هضبة الجولان ستكون هدفاً لمقاتلي التنظيمات الجهادية التي تقاتل النظام، سيما في حالت تمت مهاجمتها بأعداد كبيرة.
وقد استدعت قيادة الجيش الإسرائيلي مؤخراً مئات من ضباط وجنود الاحتياط للمشاركة في مناورات تستهدف الاستعداد لمواجهة إمكانية قيام مقاتلي الحركات الجهادية باقتحام الحدود وتنفيذ عمليات في قلب المستوطنات المنتشرة على هضبة الجولان.
وكان من اللافت أن المناورات التي تشرف عليها قيادة المنطقة الشمالية، تتواصل في هضبة الجولان منذ أسبوعين، وهذه تعد فترة طويلة نسبياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن موازين القوى العسكرية تميل لصالح إسرائيل. وهناك اجماع داخل المستويات السياسية والنخب الأمنية في تل أبيب على ضرورة الرد بكل حزم على أي محاولة لتنفيذ عمليات عبر الحدود من الجانب السوري، على اعتبار أن الأمر يتعلق بتطبيق كلاسيكي للنظرية الأمنية الإسرائيلية، التي يعد الردع أول وأهم عناصرها.
ومن الواضح إن الردود العسكرية الإسرائيلية ستتضمن القيام بعمليات توغل في عمق الأراضي السورية وشن غارات جوية بطائرات مقاتلة واستخدام الدبابات والمدفعية من أجل تعزيز قوة الردع. ومما يفاقم من مستوى القلق في تل أبيب حقيقة أن قيادة المنطقة الشمالية والاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال لاحظت مؤخراً توجه بعض الجماعات الجهادية التي كانت تنشط في شمال سوريا للعمل في منطقة الجنوب وتكثيف العمل من هناك ضد قوات النظام.
ومن الواضح أن استدعاء قوات الاحتياط تحديداً للمشاركة في المناورات العسكرية يدلل على أن الجهد الحربي الذي تتوقع إسرائيل أن تكون مجبرة على القيام به داخل سوريا كبير، لدرجة أن ألوية المشاة النظامية لن يكون بوسعها الوفاء بمتطلباته. ومما يدلل على استحواذ سوريا على اهتمام القيادة العسكرية الإسرائيلية حقيقة أن الإستراتيجية التي أعدها رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال جادي إزينكوت للسنوات القادمة تقوم بشكل خاص على تشكيل وحدات خاصة وقوات نخبة للعمل بشكل خاص في عمق الأراضي السورية.
وتدلل الإستراتيجية الجديدة على أن إزينكوت يضع على رأس اهتماماته إعادة بناء الوحدات الخاصة وقوات النخبة من أجل تدريبها على العمل في كل المناطق السورية، بسبب تعاظم مخاطر تعرض إسرائيل لهجمات تنفذها الحركات الجهادية الإسلامية من قبل المناطق السورية. وحسب المخطط المطروح ستكون الوحدات الخاصة مطالبة بتنفيذ عمليات «جراحية» تستهدف مراكز قيادة وتحكم ومواقع تدريب للجماعات السنية التي يمكن أن تستهدف إسرائيل، انطلاقاً من الأراضي السورية.
وقد تعاظمت الدعوات داخل إسرائيل لعدم إبداء أي تردد في الرد على العمليات التي يمكن أن تنطلق من الجولان.
فقد دعا المستشرق الإسرائيلي د. إفرايم هراره دوائر صنع القرار السياسي في تل أبيب إلى الرد بضربات وعمليات عسكرية كبيرة وغير متناسبة على كل عمل عسكري تقوم به الجماعات الإسلامية العاملة في سوريا، مهما كان متواضعاً.
وفي مقال نشرته صحيفة «يسرائيل هيوم»، نوه هراره إلى أن هناك عدة مؤشرات على انهيار النظام السوري، الأمر الذي يستدعي من إسرائيل أن تظهر لجميع الأطراف أنها لا يمكن أن تحتمل أن يختبرها أحد.
وحسب هراري، فإن استثمار إسرئيل في مجال مراكمة القوة والردع مهم بشكل خاص في مواجهة الحركات الجهادية، على اعتبار أن هذا سيمس بدافعية عناصرها للقتال ويذكر أن العديد من الدعوات قد انطلقت للمطالبة بإعادة صياغة العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي لملائمة ظروف المواجهات التي من المتوقع أن تنشب بين الجيش الإسرائيلي والحركات الجهادية داخل سوريا.
فقد دعا كل من الجنرال يديديا يعاري، القائد السابق لسلاح البحرية والبرفسور حاييم آسا، من كبار الإستراتيجيين في تل أبيب إلى إعادة بناء الجيش، بحيث يعتمد في جهده الحربي على قوات خاصة وسرايا سريعة الحركة لتكون قادرة على العمل في مناطق مختلفة من سوريا في آن معاً.
وفي كتابهما «العقيدة القتالية الجديدة، مبادئ المناورة المشتتة»، الصادر حديثاً، حث يعاري وآسا على تخصيص إمكانيات ضخمة لمواجهة تبعات نشاط الحركات الجهادية العاملة في سوريا، حيث وصف الكتاب عناصرها بأنهم «الأكثر خبرة في العالم».
السبيل