سوريا والتدخّل الأجنبي
أمجد عرار
قترب التدخّل الأجنبي في سوريا، فيما يزداد المشهد تعقيداً وتسخيناً . ولا ندري إن كان تعطيل التبريد سيؤدي إلى انصهار في مفاعل الوضع الداخلي إلى درجة يصعب معها وقف إشعاع الفوضى القاتل في بلد قال عنه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، إن لا سلام من دونه، مثلما لا حرب من دون مصر . بعيداً عن المناكفات والسجال الذي يتمترس طرفاه في موقعيهما، حتى قبل الأحداث الأخيرة، وقبل أن تراق قطرة دم واحدة، وبعيداً عما يشبه الاشتباك الغبي بين مشجعين متعصّبين للعبة رياضية، فإن ما يجري في سوريا ينبغي ألا يسرّ أحداً سوى أولئك الذين لا يريدون الخير لهذا البلد العربي . لا ينبغي أن تخدعنا دموع تماسيح يذرفها البعض . على الضحايا يبكيهم أهلهم صادقين، ونحمّل نظام الحكم مسؤولية إراقة دمهم، فهو المسؤول الأول عن أرواح الناس سواء من تقتله قوات الأمن أو أي سلاح آخر . ألم ينشئ أحد أشد الأجهزة الأمنية قبضة، ويفرض حالة طوارئ منذ نصف قرن؟ .
في التشخيص العام، ربما أن هناك داخل النظام، مثلما داخل معسكر خصومه، من يريد تعطيل الإصلاح لغايتين مختلفتين . فالطرف الأول يشعر بأنه سيدفع ثمن الإصلاحات من مكتسباته، والثاني، ولا نعني المطالبين بالحريّة، يتناغم مع استهداف بلد مصنّف كعضو في “محور الشر” . لم تُعط قرارات الإصلاح، غير الكافية، أية فرصة لكي تُختبر، ولم تتمتّع قوى الأمن بثقافة التعامل الحضاري مع المتظاهرين، وليسوا كلهم “مجموعات مسلّحة” . بين روايتين يضيع الباحث عن مصدر موثوق للحقيقة . ففي أحداث كهذه، يستسهل المعادي للنظام تداول كل رواية تدين النظام، والشيء ذاته يفعله من يمنح النظام “الحق” في القتل ما دام داعماً للمقاومة . وفي ظل العواصف الهائجة، يستطيع أي شخص أن يقتلع شجرة ويتهم العاصفة، فلا تحقيق مستقلاً، ولا وسيلة إعلام محايدة، ولا النظام يفتح أبوابه لوسائل الإعلام .
هذه الحالة وصفة سحرية وذريعة للتدخّل الأجنبي الذي بات يطفو على السطح، وهو يبدأ عادة بإرسال إشارات إيحائية من نوع “كل الخيارات مطروحة”، و”عدم الاستبعاد”، ثم تتصاعد اللهجة وضوحاً . في الطرف الآخر، تبدأ ردود الفعل برفض التدخّل الأجنبي المقرون ب “لكن”، وهذا التعبير، ما دام مرهوناً بتفاقم الوضع والدم، فسيتحوّل إلى “فليأت الشيطان ويخلّصنا” . هذا المنطق دفنه الشعبان المصري والتونسي، ليعود الآن من جديد على شكل نقاش بالنسبة لسوريا . أول الغيث قطرة أمريكية سقطت من الابيض الأبيض تقول: نحن نعتمد الدبلوماسية “حتى الآن”، فماذا بعد الآن . نيكولا ساركوزي رفع الجرعة بالقول إن أي عمل ضد سوريا يحتاج إلى تأييد مجلس الأمن، ثم سمعنا سوزان رايس تتحدّث في مجلس أمنها بحرارة جعلتنا نظن أن اسمها سوزان عبدالناصر .
نحن نضم صوتنا إلى صوت المعارضة السورية سهير الأتاسي التي تقول إن السوريين هم أصحاب الشأن في تحقيق حريّتهم لأنهم بكل أطيافهم يلتقون تحت مظلّة سوريا . نعم نحن مع هذا المنطق الذي يُخرِج من تحت الخيمة أي بحث عن مصالح الآخرين . نحن مع الأسلوب التركي بالضغط السياسي على النظام، وإطلاق ألف لا للتدخّل الأجنبي العسكري والأمني .
الخليج الإماراتية