صفحات سورية

سوريا والجامعة العربية: هل لدى النظام خطة للحل؟


عدنان علي

مع حالة المد والجزر في علاقة النظام السوري مع جهود الجامعة العربية لحل الأزمة السورية، واعتماد النظام سياسة حافة الهاوية القائمة على محاولة تشتيت تلك الجهود، بدل رفضها في المطلق، لا بد أن ترتبط أية محاولة لفهم موقف النظام ورؤيته للحل بسلوكه على الارض بالدرجة الاولى، اضافة إلى متابعة الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي.

من خلال هذين العاملين يتضح ان خطة النظام للخروج من الازمة الراهنة ترتكز في شقها الداخلي على مسارين رئيسين، يقضي الاول بمواصلة، بل تصعيد الحل الامني بغية محاصرة الاحتجاجات في أضيق نطاق والقضاء نهائيا على ما يسمى العصابات المسلحة، وبالتوازي، مواصلة القيام ببعض الخطوات التي يأمل النظام أن تحتسب كجزء من عملية الحل مثل الافراج عن بعض المعتقلين والسماح بولادة أحزاب جديدة بموجب قانون الاحزاب الذي أعلنه، واستكمال خطوات وضع دستور جديد والذي اعلن أخيرا أنه لن يتضمن المادة الثامنة المثيرة للجدل، فضلا عن امكان تشكيل حكومة جديدة بعد بدء التشكيك من جانب مصادر محسوبة على النظام بفاعلية الحكومة الحالية.

وهذه المعالجة التي لا تقطع مع الحلول الخارجية نهائيا، تستهدف من بين ما تستهدف اقناع الخارج، وبدرجة أقل الداخل (والقطاعات الموالية بالدرجة الأولى بهدف الحفاظ على ولائها) بأن لدى السلطة خطة وتصورا للحل، وتستند في الوقت نفسه إلى اقتناع حقيقي أو مصطنع لدى الفاعلين الأمنيين والسياسيين في السلطة بأن هذه الاستراتيجية قد تفضي إلى اخماد جذوة الاحتجاجات أو على الأقل حصرها في أضيق نطاق.

ولدى محاولة تحليل عناصر هذه الاستراتيجية، يمكن ملاحظة أنها تتضمن عناصر ضعف كثيرة:

– ان الخطوات السياسية الاحادية الجانب التي يبادر اليها، أو يسمح بها النظام، من غير المرجح أن تساهم جديا في الحل المنشود لأنها لا تزال في حيز منطق المنح والعطاء من جانب السلطة ولم تصل لأن تكون استحقاقا لا رجعة عنه دفع ثمنه تضحيات كبيرة، فضلا عن أنه لا يرتقي إلى مستوى المطالب المطروحة من جانب المحتجين وقوى المعارضة.

– ان الحل الامني بكل أشكاله ودرجاته قد يكون نجح في منع ظهور تظاهرات احتجاجية كبيرة بعشرات أو مئات الالاف كما حدث في بداية الحركة الاحتجاجية (درعا وحماه وحمص ودير الزور) بسبب احتلال قلب المدينة وتقطيعها بالحواجز وعزلها عن ريفها، لكنه لم ينجح في الحد من التظاهرات خاصة داخل القرى والمدن الصغيرة التابعة لتلك المحافظات، بل وداخل مركز المدينة في بعض الاحيان، وان كان بدون تغذية من الريف.

– ان ما يسميه النظام العصابات المسلحة، يشمل في الواقع المنشقين عن الجيش النظامي والذين يقدر عددهم بعدة آلاف، اضافة إلى مسلحين آخرين قد يتواجدون في بعض المناطق الساخنة التي تقلصت فيها خلال الفترة الماضية سلطة الدولة بدرجة او أخرى، وتشمل خاصة مدينتي حمص وادلب اضافة إلى ريف حماة وبدرجة أقل بعض قرى درعا ودير الزور، وبعض المناطق في ريف دمشق. وقد تحدث النظام عن مسلحين وعصابات مسلحة منذ اللحظات الاولى للاحتجاجات، الا انها كانت ظاهرة محدودة وتفتقر إلى التنظيم، ولم تأخذ شكلها الحالي الا في الاشهر الاخيرة. ورغم الضربات الموجعة التي وجهتها قوات الجيش لتلك العناصر وخاصة في الرستن وتلكلخ وغيرهما، ليس ما يشير إلى انها استطاعت الحد من فاعليتها، وتمكنت تلك العناصر في كل مرة من اعادة ترميم نفسها والانتقال إلى مناطق جديدة، مع ملاحظة انها باتت في الآونة الاخيرة تكثف هجماتها على القوات النظامية.

– والملاحظة الواضحة هي تطور مطالب المحتجين كلما تغول الحل الأمني، وخصوصا مع ظهور شرائط فيديو تظهر تعذيب المعتقلين واذلالهم، وهو ما أذكى الروح الاحتجاجية والانتقامية، على عكس ما ابتغت هذه التسريبات في ما لو كانت مقصودة، أي تخويف المحتجين وردعهم.

– في ضوء الإصرار على الحل الأمني برغم عوائده العكسية حتى الآن بالنسبة لما يرجوه النظام، وبرغم أنه السبب الرئيسي لاستثارة الخارج، يبدو ان الرهان على الحسم الميداني لا يزال هو الخيار الحاسم لدى النظام استنادا إلى فرضية ان التراجع عنه يعني بداية السقوط، وهي فرضية لم يحاول النظام اختبارها جديا على ارض الواقع حتى الآن. ويرى بعض المراقبين أنه إذا تم تنحية الحل الأمني، على اساس اعطاء فرصة لتقدم حلول أخرى، سواء عبر خطة الحل العربية، أم بمبادرات ذاتية أكثر جدية من النظام، فانه على الأرجح سوف تتواصل المظاهرات، أقله إلى حين اختبار مدى جدية هذه الحلول، وأثناء ذلك قد يفقد النظام السيطرة على بعض المدن كليا أو جزئيا، لكن في كل الحالات فإن الوضع الجديد سيوفر مناخا أفضل للتوصل إلى حل للأزمة، وسيتيح للجانبين الخروج من حلقة المكاسرة المتصاعدة، في ضوء اعتقاد المحتجين بدورهم ان وقف او تراجع حركتهم يعني ضياع تضحياتهم وعودتهم إلى المربع الاول، وربما إلى ما هو أسوأ بسبب ما قد يلجأ اليه النظام من انتقامات.

 ومع عدم ظهور أية بوادر على تبلور اقتناع لدى النظام بضرورة مراجعة اسلوب معالجته للازمة المتفاقمة، وحيث لا يزال التفكير السائد لديه بأنه لا تعارض بين مواصلة الحل الامني بالتوازي مع حل سياسي، فان ثمة من يراهن على ان سلسلة العقوبات المتوالية عربيا واوروبيا واميركيا، والتي تساهم ولا شك في اثارة متاعب اقتصادية، والمزيد من العزلة السياسية، ربما تكون عامل ضغط لتسريع الوصول إلى هذا الاقتناع. ويبقى ذلك رهنا أيضا بعوامل خارجية مهمة يراهن عليها النظام تتصل بمواقف الحلفاء الإقليميين والدوليين والذين بوسعهم، وخاصة روسيا وايران التأثير في نمط تفكير النظام لدفعه في اتجاه قبول تسويات تتضمن تنازلات جوهرية، وتكون مدخلا لحل يكتفي بما سفك من دماء حتى الآن، ويقطع الطريق على ما هو اخطر مثل الحرب الأهلية والتدخل العسكري الخارجي.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى