صفحات العالم

سوريا والخطر الطائفي


محمد الباهلي

الآن وبعد أن وصلت الأمور في سوريا إلى حد لا يطاق، وتبخرت غالبية المبادرات والحلول وجهود الوسطاء لحل الأزمة دون نتيجة، وأضحت الحرب الأهلية هي التي تحكم الموقف في الأزمة السورية، لابد من التساؤل: هل ستبقى الدولة السورية قائمة وموحدة، أم سيدفع نظام “البعث” نحو تفتيت وحدتها التاريخية والجغرافية والسياسية، وإدخالها في أتون الحرب الأهلية كما حدث لدول عديدة؟

لقد انتهج نظام الأسد أسلوب العنف والوحشية واستخدم أشد الأسلحة فتكاً ضد شعبه، وجعل السوري يقتل السوري فغرقت البلاد في حمام من الدماء، وأصبح التهديد الأخطر والأبرز للدولة السورية هو تحالف نظام “البعث” السوري الطائفي مع النظام الإيراني وميليشيات “حزب الله”، إمعاناً في توظيف البعد الطائفي، مصحوباً بمظاهر الدم والقتل والدمار، حتى وصف رئيس وزراء تركيا ما يحدث في سوريا بأنه “تكرار لما حدث في كربلاء قبل 1332 عاماً، مع اختلاف المظلومين والظالمين”.

وسوريا اليوم أصبحت على مفترق طرق خطير، بل باتت كالبركان الذي يهدد المنطقة العربية بأكملها فيما لو استمر الحال على ما هو عليه الآن. إن هذا الوضع سوف يخلف سلسلة من الاضطرابات غير المحسوبة، خاصة وقد أصبح للقوى الدولية الكبرى كلمة مسموعة في المنطقة، وهي أميركا وروسيا والصين وأوروبا، لما لها من مصالح تقتضي وجود هذه الهيمنة.

الولايات المتحدة ترى أن الحالة في سوريا لم تصل بعد إلى مرحلة تشكل خطراً على مصالحها الحيوية، وبالتالي فلا يهم أن تستمر الحرب الأهلية، خاصة أن استمرارها يؤدي إلى ضعف الدولة السورية وتفتيتها.

أما روسيا، وحسب ليونيد ريشيتنيكوف، فترى أن سقوط النظام السوري سوف يفقدها حليفاً في المنطقة، ويضطرها لتغيير العديد من مواقفها في الشرق الأوسط الذي يعتبر بالنسبة لها بالغ الأهمية، فهو نقطة تقاطع طرق المواصلات العالمية، ويمثل سوقاً واسعة لتصريف السلع، وفي سوريا بالذات توجد القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة بالمنطقة (في ميناء طرطوس). وعدا عن كل ذلك، فإن الشرق الأوسط يمثل سوق سلاح مهماً.

أوروبا من جانبها ترى في استمرار الأزمة السورية تهديداً لأمنها ولاستقرار الشرق الأوسط المجاور، فحدوث مزيد من الاضطراب على حدودها الجنوبية لأوروبا سيغذي ظواهر الإرهاب وانتشار الأسلحة والهجرة غير الشرعية.

وفي ظل صراع المصالح الدولية والصراع السياسي الطائفي المشتعل في المنطقة، وما يساور بعض الدول العربية من قلق، حققت الدول الكبرى مكاسب كبيرة من مبيعات الأسلحة للمنطقة العربية.

ليس سوريا وحدها، بل العالم العالم العربي كله تقريباً بسبب ما يحدث في سوريا، أصبح أمام مفترق طرق خطير، بل هو اليوم في وضع يشبه وضعه قبل اتفاقية “سايكس بيكو”، حيث توجد اليوم أجندات وخرائط واستراتيجيات عديدة تتحرك على أرض الواقع، وهناك علامات ومشاهد عديدة تؤكد ذلك، يشجعها المشهد المضطرب السائد في المنطقة، والذي هو جزء من هذه الحقيقة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى