صفحات العالم

سوريا والمعركة الأخرى


 حسين شبكشي

المعركة الدائرة الآن بين نظام بشار الأسد وترسانته المسلحة في مواجهة الجيش السوري الحر، الذراع العسكرية للثورة السورية، هي عند الغالبية العظمى من العقلاء والموضوعيين مواجهة بين باطل استشرى وطغى وافترى على العباد وسفك الدماء، وبين حق متمثل في أبرياء يطالبون بحقهم الإلهي في العيش بكرامة وحرية.

هذه المعركة يتابعها العالم بأسى وحزن واشمئزاز منذ أكثر من 17 شهرا بلا توقف. ولكن المدهش أن هناك من يتابع المعركة نفسها ولكن لأسباب أخرى تماما.. فهناك فريق عريض من المسلمين يتابع أحداث هذه المعركة ويعتبرها من «علامات الساعة» ويحاول إسقاط ما ورد من الأحاديث النبوية الشريفة، على صاحبها أزكى صلاة وأطهر سلام، وما ورد عن أرض الشام وما سوف يحدث فيها من أحداث ومواقف وتطورات، على ما يحدث، ويتم الرجوع إلى مواقع معينة في أرض الشام وروايات عن تلك المواقع وعن شخصيات وأحداث ستأتي لاحقا، وهي تقع في باب اتفق علماء المسلمين على تسميته بباب فتن نهاية الزمان.

والفتن المقصودة هنا هي التي تحير من يراقبها، فلا «يفهم» ولا «يستوعب» ما يحدث من سرعة تتابع الأحداث وعجائبها، ولكن ليس المسلمون وحدهم هم الذين يراقبون الأحداث السورية بهذا المعنى، ولكن المسيحيين الإنجيليين أيضا يفعلون ذات الشيء.. فهذه الطائفة المسيحية العريضة والكبيرة والمؤثرة تبني الكثير من عقيدتها على فكرة المسيح المخلص الذي يعود في «أواخر الأيام» لإنقاذ أتباعه وإحداث المواجهة الأخيرة في المعركة الكبرى المسماة بـ«هرمجدون»، ولدى أتباع هذه الطائفة المسيحية مراجعهم التي يتبنونها في سفر «النبوءات»، وهو جزء مهم من العهد الجديد (الإنجيل) والذي يوضح نبوءات عن أواخر الأيام كما يسمونها.

ولكن سفر «النبوءات» هذا «لا بد» أن يقرأ بدقة مع سفر «دانيال» من العهد القديم (التوراة)، لأنه باعتقادهم يفك شفرات النبوءات ويسقط الأحداث بشكل مسلسل وتاريخي، وهم الآن يشيرون إلى ما يحدث في أرض الشام على أنه متوقع وفي نبوءات وردت، حيث يشيرون إلى أن النبوءة تقول إنه على أرض الشام (سوريا) يتآلف ملك الشمال (والمقصود روسيا) مع أهل فارس (إيران) ويأجوج ومأجوج (الصين) في مواجهة التنين ذي الرؤوس العشرة (الاتحاد الأوروبي)، وتصور الوضع بأنه مقدمة الحرب الكبرى ونهاية الزمان.

هذه الخلفيات من المهم جدا معرفتها، فهي وإن كانت لا تدخل في صميم القرارات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية إلا أنها موجودة في عقليات وذهنيات الكثيرين ممن لديهم خلفيات روحية ودينية في صفوف الفريقين والمعسكرين، كما أن المعركة العسكرية موجودة على الأرض وهناك معارك سياسية ودبلوماسية في الأروقة الأممية ومعارك إلكترونية في الفضاء الافتراضي.

هناك أيضا معارك فكرية على تأويل ما يحدث من إسقاط ديني لتفسير العقائد الخاصة بنهاية الزمان والمواجهة الكبرى الختامية ومعركة الحق والباطل الأخيرة وظهور المخلص وتحقيق العدل والنصر وإنجاز أمر الله.

كل هذه الأفكار والعقائد هي قناعات تغذي المعركة وتمثل وقودا خطيرا لإشعال الوضع في اتجاهات غير معلومة، ولكن هناك كما هائلا من المعلومات والأفكار والكتابات المنتشرة اليوم والمتعلقة بنهايات الزمان على «أرض الشام» كل بحسب زاويته وقناعاته وأسبابه، ولكن حتما نرى جانبا جديدا يضاف للأحداث في سوريا معقدا الموضوع بشكل مثير.

ولكن الظاهر والواضح والذي لا غبار عليه هو ما اتفق عليه العالم بأسره أن نظام بشار الأسد وزبانيته باطل مطلق ويجب الخلاص منه، والحق مع شعب أراد الحياة بحرية وعدل وكرامة، وهذه حقوق إلهية منحت وليس لأي مخلوق أن يسلبها منه. وإذا كان للباطل جولة (حتى وإن دامت 40 سنة هي عهد حكم الأسد وأبيه)، فإن للحق جولات آن أوانها.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى