سوريا.. وحديث الصفقة الروسية الأميركية!
أكرم البني
مع تنامي مخاطر الانزلاق إلى صراع أهلي، واستمرار التردد الأممي في لعب دور حاسم، تلوح في الأفق أخبار صفقة روسية – أميركية لإخراج الوضع السوري مما هو فيه ووضعه على سكة الحل السياسي.. فما هي دوافع الطرفين لعقد الصفقة، وما فرص نجاحها، خاصة أن ما رشح منها يدعو لوقف العنف وتحقيق انتقال سلمي للسلطة عبر حكومة مؤقتة تضع البلاد على مشارف التغيير الديمقراطي، وهي مهام محتواة من حيث الجوهر في المبادرتين العربية والأممية على حد سواء؟
من حسابات الربح والخسارة يمكن النظر إلى تلون موقف روسيا وانتقاله من التفرد في تقرير المصير السوري إلى البحث عن مخرج يضمن لها حصة ترضيها في التحولات القادمة. فموسكو، التي عقدت العزم على دعم النظام السوري بكل الوسائل ومهما تكن النتائج، وراهنت على قدرة الآلة القمعية على الحسم ومنحتها المهل والفرص، هي مع كل يوم يمر تشعر بالمأزق، ويحاصرها فشل الخيار الأمني والعسكري في قهر الحراك الشعبي أو تخفيف حرارته، والأهم أنها لم تنجح عبر ادعاءاتها الإعلامية وما تثيره من مخاوف، وتهجماتها على المعارضة السورية وعلى الدول الغربية، في الالتفاف على الحرج الأخلاقي الذي يسببه هذا التوغل السلطوي في العنف الأعمى وما يخلفه من مجازر بشعة.
وإذا أضفنا خشية قيادة الكرملين من تصاعد الموقف العربي الرافض لسياستها، والذي بات قاب قوسين أو أدنى من احتمال قطع العلاقات، وأيضا تفضيل موسكو لمشاركة أميركية في ترتيب البيت السوري، بدل أن يفضي موقفها إلى خسارة كل شيء والخروج من المنطقة وهي تجر أذيال الخيبة وازدراء شعبي واسع، مما يفتح الباب أمام تعزيز النفوذ التركي في المشرق العربي، وأمام احتمال توظيف رياح الثورات العربية التي يحتل الإسلام السياسي فيها وزنا مؤثرا، لإثارة شعوب الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها، وهي لم تنس مرارة هزيمتها في أفغانستان نتيجة التحالف بين الأميركيين والإسلاميين!.. وإذا أضفنا سياسة إسرائيل، المؤثرة على الكرملين عبر لوبي لا يقل أهمية عن اللوبي الأميركي، والتي لا ترغب في حصول تغيير جذري في سوريا ينعكس سلبا على مصالحها وأمنها الاستراتيجي.. إذا أضفنا كل ذلك يمكن أن نقف عند أهم الأسباب التي تكره موسكو اليوم على البحث عن صفقة حول سوريا، والدليل إظهار مرونة لافتة في موقفها الجديد الذي لا يتمسك ببقاء الرئيس السوري في أي تسوية يوافق عليها السوريون، ثم دعوتها لعقد مؤتمر دولي حول سوريا، والإشارة إلى تفهم طهران لذلك وجدوى إشراكها في المؤتمر.
وطبعا ما كان لحديث الصفقة أن يأخذ هذه الأهمية لولا التأييد الغربي الضمني لما يذهب إليه قادة الكرملين، ولعل تحذير واشنطن وباريس ولندن بعد موسكو من أن تسليح المعارضة من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية في سوريا هو دليل واضح على وجود رغبة مشتركة في المعالجة السياسية، تعززها تصريحاتهم المتكررة بعدم وجود نوايا للتدخل العسكري في هذا البلد، من دون أن تغير من هذه الحقيقة المواقف الأميركية التي تدين شحنات الأسلحة الروسية المرسلة إلى دمشق.
فالسياسة الغربية، خاصة الأميركية، لا تزال تحجم عن الدخول بقوة على الخط السوري لانتزاع دور أكثر فاعلية كما حصل في ليبيا واليمن، وتكتفي بالنوسان بين تشديد العقوبات الاقتصادية وعزل النظام سياسيا، وترك الحبل بيد موسكو كي تقود الركب في معالجة الوضع، ربما بسبب رؤية أميركية تجد أن التشارك مع روسيا هو الأسلم في تفكيك الحالة السورية التي تحتل موقعا سياسيا استراتيجيا وتتشابك مع عدد من الملفات الحساسة في المنطقة، وربما بسبب الإصرار على أولوية الإجماع الدولي في أي تدخل عسكري حاسم، ربطا بحسابات التكلفة في بلد لا يمتلك موارد للتعويض، وباحتمال حصول ردود فعل متنوعة من أطراف المحور الإيراني الداعمة للنظام السوري، وربما تفهما، كحال موسكو، للهموم الأمنية الإسرائيلية التي لا تحبذ وصول سلطة جديدة إلى الحكم في سوريا عوضا عن سلطة خبرتها جيدا وأظهرت وفاء بعهودها منذ توقيع اتفاقية فصل القوات، وربما أخيرا بسبب قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وضرورة تمرير الوقت من دون أي مغامرة قد تقلب المزاج الأميركي رأسا على عقب. وما يعزز التوجه الأميركي وجود مصلحة عربية واسعة تحبذ التغيير السياسي والتوافقي، رفضا لاستمرار المشهد الدموي السوري على هذه الشاكلة، وتفاديا لآثاره التي بدأت تنتشر في مختلف الأوساط السياسية والشعبية، وتحسبا لأن تفضي تداعياته الإقليمية إلى خطر على الأمن العربي.
«مكره أخاك لا بطل»، هو حال النظام السوري في التعاطي مع الصفقة، فهو غير قادر على رفض مبادرة لحلفائه، وفي الوقت ذاته يدرك أن السير على طريق الحل السياسي سوف يضعه في موقع لا يحسد عليه، ويقدر جيدا كيف ستكون أموره عندما يبدأ بتقديم التنازلات، وهو ما انفك يتحدث عن معادلة ترعبه بأن التنازلات سلسلة مترابطة ما إن يبدأ بتقديم أولها حتى تكر السبحة، مما يعني أننا سنشهد مناورة ومماطلة في حال صحت أخبار الصفقة، ومحاولات النظام اللعب على التفاصيل وتمييع ما يعرض عليه، والغرض كسب الوقت والرهان دائما على مزيد من التوغل في العنف لتغيير المشهد وتحسين موقعه التفاوضي.
والحال، حتى وإن كان حديث الصفقة الروسية – الأميركية خلبيا، وليس لدى الطرفين تصور مشترك لمعالجة الحالة السورية، يجمع السوريون على أن العقدة الرئيسية أمام أي مبادرة أو صفقة هي النظام السوري برفضه المزمن للحلول والمبادرات السياسية وإصراره على العنف المفرط طلبا للحسم، ويجمعون أيضا على أن استمرار ثورتهم هو الأساس. وإن إصرار الشعب على حقوقه واستبساله في الدفاع عنها وما يقدمه من تضحيات، هو المعلم والمحرك الأساسي للمتغيرات السياسية التي تحصل بما في ذلك الترويج لفكرة الصفقة، ولنقل هو الكفيل عبر صموده وعزيمته بتفكيك ما يعترض ثورته من تعقيدات وجعل استمرار النظام عبئا ثقيلا على الجميع، يكرههم على إعادة النظر في سياساتهم ومواقفهم، والبحث عن مخارج من هذا الوضع المأساوي.
الشرق الأوسط