سوريا وحقيقة التفاهم الأميركي الروسي: أكرم البني
أكرم البني
من مقدمات مختلفة، يتفق الكثيرون على وجود نوع من التفاهم أو التوافق الضمني بين روسيا وأميركا في التعاطي مع الوضع السوري بصفتهما الدولتين الأكثر تأثيراً فيه وقدرة على توجيه مساراته، ليصل إلى ما وصل إليه بعد ما يقارب العامين من انطلاق الثورة.
ينطلق البعض من اتهام موسكو وواشنطن بالتآمر لإطالة زمن الصراع السوري واستنزاف قواه، وتوسل أدوار متباينة ومخزية تسترخص دماء السوريين ومستقبل أجيالهم وتستهين بما يحل بهم من دمار وخراب. ولا تغير هذه الحقيقة المرة الدعوات الصاخبة لوقف العنف المفرط، أو زيادة حجم المعونات المخصصة للاجئين السوريين، ولا الجهود المبذولة لخلق مبادرات عربية ودولية مسقوفة بالفشل وإرسال مبعوثين ومراقبين زاد حضورهم الأوضاع سوءاً على سوء.
تبدأ حوافز التآمر -وهي كثيرة- بتحسب الطرفين من خطر دفع الأمور إلى حدها الأقصى وإلى معركة كسر عظم بسبب تقدير الخصوصية السورية وتأثيرها على استقرار الشرق الأوسط، وبمنفعة متبادلة في الحفاظ على توازن النفوذ القائم بين المحاور المتشكلة في المنطقة لضمان استمرار الحاجة إليهما في درء أي توتر محتمل.
مروراً بحضور مصلحة مشتركة في الإفادة من الساحة السورية لتصفية الحساب مع تنظيم القاعدة وأشقائه بسلاح نظام الرئيس بشار الأسد نفسه، فالجميع يدرك أن ما يحصل من فتك وتنكيل هو عامل جاذب للجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن هناك أكثر من اجتهاد ونداء صادر عن هذه الجماعات يعتبر نصرة السوريين فرضا على كل مسلم، والمعروف أن تنظيم القاعدة لا يزال العدو الأول والأخطر عند الأميركيين.
في المقابل، يتحسب الروس -في حال سقوط النظام- من اشتداد عود التيار الجهادي وتثمير انتصاره في البلدان الإسلامية المحيطة بهم، ولعل موقف الإدارة الأميركية من “جبهة النصرة” مؤشر ذو دلالة على ذلك وعلى تنامي مخاوف العالم من انبعاث الحالة الجهادية عطفاً على تداعيات أحداث بنغازي والحرب في مالي وعملية خطف الرهائن في الجزائر.
وانتهاء بحقيقة لا يمكن للطرفين الأميركي والروسي القفز فوقها، هي المصلحة الإسرائيلية وأولوية الأخذ برؤية تل أبيب بشأن تأثير التغيير في سوريا على أمنها الإستراتيجي.
وإلى جانب اللوبي اليهودي في أميركا والمؤثر على سياسات واشنطن الشرق أوسطية، ثمة لوبي يهودي تنامى دوره في روسيا ولا يقل أهمية في التأثير على قرارات الكرملين المتعلقة بالمنطقة، وما رشح إلى الآن أن إسرائيل وضعت موسكو وواشنطن أمام واحد من خيارات عدة، إما الحفاظ على نظام ضعيف خبرته جيّداً ووفّى بوعوده في الحفاظ على جبهة الجولان آمنة ومستقرة، وإما التحكم بعملية التغيير والسيطرة على قواها وتداعياتها، وإما التلاعب بالصراع السوري كي يطول أمده ويسير بالبلد نحو الخراب والاهتراء كي تأمن جانبه لعشرات قادمة من السنين، وهنا بيت القصيد!
وبعيداً عن الرؤية التآمرية يعتقد آخرون بوجود دوافع موضوعية تكره روسيا وأميركا على خلق تفاهم بينهما يؤسس لدور مشترك لا يمكن من دونه إخراج الوضع السوري مما هو فيه، تبدأ بالمسؤولية الأممية الملقاة على عاتقهما، كدول كبرى، لاجتراح حل سياسي ينقذ ما يمكن إنقاذه من مجتمع ودولة أوصلهما الفتك والتدمير العشوائي إلى مشارف التفكك والهلاك.
هذه المسؤولية تشتد إلحاحاً مع تصاعد حرجهما الأخلاقي من أعداد ما فتئت تزداد من الضحايا والمعتقلين والمشردين والمنكوبين، وتخوفهما من احتمال استخدام أسلحة أكثر فتكاً، كالأسلحة الكيماوية وغيرها، وكلاهما يعرف أن نظاما كالنظام السوري وصل ظهره إلى الحائط ويخوض معركته كمعركة حياة أو موت، لن يتوانى عن الدفع بكل ما يملك من وسائل التدمير لإحداث تغيير في توازن قوى ما فتئ يميل لصالح المعارضة، والدليل ازدراؤه كل الدعوات لوقف العنف المفرط وآخرها المطالبة الروسية الصريحة بوقف استخدام الطائرات الحربية في قصف المدن والبلدات المتمردة، ثم سخريته من التحذير الأميركي بأن السلاح الكيميائي خط أحمر!
وما يعطي الحرج الأخلاقي قيمة مضافة أن واشنطن فقدت بعد الانتخابات الرئاسية أهم ذريعة لتبرير سلبيتها، وباتت قيادتها تقف وجها لوجه أمام تحدي حماية المدنيين وأمام مسؤوليتها الإنسانية كدولة عظمى تجاه ما يحصل في سوريا، في حين أن موسكو، التي عقدت العزم على دعم النظام بكل الوسائل ومنحته المهل والفرص، بدأت تدرك عمق مأزقها، وكم يضر بمصالحها وسمعتها في الأوساط العالمية والعربية استمرار تغطيتها لما تقوم به آلة قمع منفلتة من عقالها وعاجزة في آن عن قهر الحراك الشعبي أو محاصرته.
والدافع الثاني هو إدراكهما ضرورة التشارك في تفكيك آمن للصراع بارتباطاته الإقليمية واحتواء تهديد طهران الصريح بدخولها وحلفائها في حرب مفتوحة للحفاظ على النظام كأهم حلقة من حلقات نفوذها، يعزز ذلك انخفاض أداء سياسة واشنطن التي فقدت الكثير من حيويتها بسبب أزمتها الاقتصادية وما عانته في العراق وأفغانستان، وتصاعد دور موسكو بعد إحساسها بمرارة الخداع مما حصل في ليبيا وخشيتها من محاولة تطويقها عبر توافق الدول الغربية والإسلام السياسي الذي يحتل وزناً مؤثراً في الثورات العربية، وأيضاً حضور مصلحة عربية تحبذ التغيير السياسي بإشراف المجتمع الدولي تفادياً لتداعيات توسيع دائرة العنف على الأمن العربي.
وثمة دافع يتعلق بطابع المجتمع السوري التعددي، ورغبة الطرفين في التعاون لضمان تعايش مكوناته المختلفة وحماية الأقليات ربطاً بترجيح قدوم سلطة بديلة يحتل فيها الإسلام السياسي وزناً وتأثيراً كبيرين، والأمر لا يتعلق فقط بالخوف على ثقافة الأقليات ونمط عيشها، بل بالأعباء التي قد تفرض على المجتمع الدولي إذا تواترت موجات النزوح والهجرة، زاد الأمر تعقيداً تكرار مظاهر التضييق على بعض الأقليات وتواتر استغاثاتها لتوفير حماية مسبقة لأبنائها وحقوقها!
وتكتمل اللوحة بتنامي قلق الطرفين من احتمال انزلاق البلاد إلى حرب أهلية واسعة، وأهمية تعاونهما لمحاصرة نوازع تصديرها إلى بلدان الجوار، وإلى لبنان وتركيا والعراق خاصة.
ففي منطقة كالمشرق العربي متداخلة بشرياً وديمغرافياً، وفي ساحة كسوريا تحتل موقعاً إستراتيجياً وتتشابك سياسياً مع عدد من الملفات الحساسة، يجب توقع الأسوأ من توسع حربها الأهلية بأن يتصاعد العنف ويمتد، وتتورط فيه المجتمعات المجاورة أكثر فأكثر، ويتخذ أشكالاً طائفية أو قومية على نحو متزايد، مما قد يفتح الباب لإعادة رسم التموضعات الاجتماعية والسياسية، وإلحاق أفدح الأضرار بالأمن الإسرائيلي وبالإستراتيجيات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
لكن وببساطة ليس من قيمة كبيرة لأي تفاهم بين موسكو وواشنطن، إن حصل، إلا إذا تحقق واحد من احتمالين، إما قبول الأطراف الداخلية المعنية به وإذعانها لتنفيذه، وإما أن تتكفل القوى الدولية بإكراه أطراف الصراع على ذلك عبر استخدام مختلف الضغوط، السياسية والاقتصادية، دون استبعاد القوة العسكرية أو التلويح بها.
عن الاحتمال الأول، يقف عائقاً عناد النظام ورفضه المزمن للحل السياسي وإصراره على العنف المفرط كخيار وحيد، ربما لإدراكه أن السير في طريق المعالجة السياسية سوف يضعه في موقع لا يحسد عليه ويضطره لتقديم تنازلات تجر التنازلات، يزيد الطين بلة احتمال استقوائه بموقف طهران إذا عارضت تفاهما دوليا لا يلبي طموحها ولا يساعدها على تخفيف حدة أزمتها المتفاقمة مع الغرب والحصار السياسي والاقتصادي المطبق عليها، وتالياً انتزاع اعتراف أميركي بدور إقليمي طالما سعت إليه.
ورغم ذلك ليس مفاجئاً أن يبدي النظام بعض المرونة وقبولاً شكلياً كي لا يثير امتعاض حلفائه ويزيد من عزلته، مراهناً على رفض المعارضة وعلى توظيف ما يمتلكه من خبرات لتمييع ما يعرض عليه وإفراغه من محتواه بإغراقه بالتفاصيل والتفسيرات، والغرض دائماً كسب الوقت والرهان على التوغل في العنف لتغيير المشهد وتحسين موقعه التفاوضي.
وفي المقابل يصعب على المعارضة السورية عموماً قبول أي حل أو مبادرة سياسية لا تتفق مع مطلبها في إحداث تغيير جذري، أو ترضى بتسوية لا تشترط إزاحة رموز النظام ومحاسبة المرتكبين، ولعل الرفض الأشد سوف يأتي من الجماعات السياسية والعسكرية الموجودة على الأرض، وهي الأكثر تضحية وتأثيراً في إدارة الصراع وتحديد مساراته.
وإذ نعترف بتعدد الجماعات الميدانية المعارضة وتبعثرها وتنوع منابتها ومواقفها، وتالياً تفاوت درجات استعدادها للتعاطي مع الحلول السياسية إلا أنها تبقى محكومة موضوعياً، في حال استمرار الاستعصاء القائم وعجزها عن تحويل تقدمها التكتيكي إلى انتصار حاسم، بضرورة التنسيق مع الغطاء السياسي الذي يوفره الائتلاف الوطني بعد أن نال الاعتراف العربي والدولي، وأيضا بمصادر الدعم المادي واللوجستي، والأهم بمزاج شعبي يعاني الأمرين ويميل نحو أولوية وقف العنف ومنع الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة تزيد من الضحايا والخراب، تدعمه فئات من أبناء الطبقة الوسطى والتجار وشرائح من الأقليات.
وهؤلاء لا يريدون رؤية بلدهم محطماً أو مقسماً إلى كانتونات طائفية يعادي بعضها بعضاً، وغالباً ما يجاهرون برغبتهم في حصول انتقال سلمي للسلطة ترعاه إرادة عربية أو دولية.
في حين يثير الاحتمال الثاني التساؤل حول القدرة الحقيقية لموسكو وواشنطن على التأثير على الطرفين المتصارعين وإرغامهما على السير في السكة السياسية ما دام كل طرف يعتقد بإمكانية الحسم وتحقيق انتصار كاسح، ولنقل لم يصلا إلى حالة من الضعف ترغمهما على قبول ما يعرض عليهما، أو إلى قناعة بأن استمرار حربهما صار أمراً عبثياً.
فموسكو غير قادرة على فرض موقفها على نظام دمشق، خاصة وقد تم، منذ انخفضت العلاقات بينهما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تحييد أهم الفعاليات التي يشك بأنها تؤيد الكرملين وعزلها، والدليل تكرار التصريحات بأن روسيا لا تستطيع إرغام الرئيس على التنحي أو السير بخطة تحرمه صلاحياته، يزيد الأمر تعقيداً إدراك النظام حاجة موسكو للعب بورقته لتحسين موقعها، ولبيع الأسلحة التي لا يزال يسدد ثمنها بمساعدة حلفائه بالعملة الصعبة، وبأن إيران لن تتخلى عنه وتستسلم لخسارة نفوذ متكامل في المشرق العربي جاهدت سنين طويلة لبنائه.
أما واشنطن فدورها وفاعليتها سيبقيان محدودين ما دامت تفضل سياسة الضغط المرن وإدارة الأمور من وراء الستار وتسليم مفاتيح الحل لموسكو، تأثراً ربما بالعقدة العراقية وربما بأولوية اهتمامها بأوضاعها الداخلية وربما بأفضلية استنزاف خصومها على حساب دماء السوريين وآلامهم، والأهم بحسابات تكلفة التصعيد في بلد لا يمتلك موارد للتعويض.
والحال، إن كان ثمة تواطؤ بين موسكو وواشنطن في إدارة الأزمة السورية، أو كانت هناك حاجة مشتركة للتفاهم ووضع حل سياسي لها قد يتبلور أكثر في اللقاء المرتقب بين أوباما وبوتين، فإن السوريين يجمعون على أن العقدة الرئيسية أمام أية مبادرة دولية هي النظام السوري برفضه المزمن للحل السياسي وإصراره على العنف المفرط طلباً للحسم.
ويجمع السوريون أيضاً على أن استمرار ثورتهم هو الفيصل، وأن إصرار الشعب على حقوقه واستبساله في الدفاع عنها وما يقدمه من تضحيات هو المحرك الأساسي للمتغيرات السياسية التي تحصل، وهو الكفيل بتفكيك ما يعترض ثورته من تعقيدات وجعل استمرار الوضع القائم عبئاً ثقيلاً على الجميع.
الجزيرة نت
لا روسيا ولا امريكا ولا إيران, سيدنا انا رح قللك ياها بالمشرمحي; الناس ما بتحب الظالم بس الناس كمان ما بتحب الخسيس إلي ما بيطلع صوتوا إلا ازا في حدا داعمو أو ازا عدوه ضعف. يعني عاشر السبع ولو أكلك ولا تعاشر الندل ولو حملك الناس ما عاد يهمها افلام الجزيرة المكشوفة ولا دموع غليون صعي ما بدنا الأسد بس كمان ما بدنا ياكن الواحد فيكن بيتفلسف واستمرار ثورة ومدري شو ولا كأنو البلد تهدمت ولا كأنو الخلايجة والصهاينة مبسوطين.