صفحات العالم

سوريا.. وخطورة «المناطق الآمنة»/ بيتاني إيلن إبراهيميان*

 

 

 

روسيا تريد منطقة آمنة في سوريا يستطيع المدنيون العالقون في الحرب اللجوء إليها. وإيران وتركيا تؤيدان الفكرة. وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. إذ لماذا يعارض أي أحد كان شيئاً نبيلاً مثل إقامة منطقة آمنة توفر الحماية للمدنيين العزل؟ إلا أن المدنيين الذين يلجؤون إلى المناطق الآمنة قد يصبحون أيضاً أهدافاً سهلة، مثلما ذكّرتنا بذلك مؤخراً محكمة استئناف في لاهاي.

ففي الأسبوع الماضي، وجدت المحكمة أن الجنود الهولنديين مسؤولون جزئياً عن 300 من أصل ال8 آلاف رجل وولد مسلم الذين قُتلوا في سريبرينيتشا في البوسنة والهرسك في 1995، في ما اعتبر أكبر عملية قتل جماعي تحدث على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

وكانت الأمم المتحدة قد حددت مدينة سريبرينيتشا باعتبارها منطقة آمنة في 1993 عقب اندلاع الحرب البوسنية في العام السابق على ذلك. فتم نشر بضع مئات من جنود حفظ السلام الهولنديين للدفاع عن المدينة، وتدفق المسلمون البوسنيون على المدينة بحثاً عن الأمان. ولكن في 1995 اجتاح جيش صرب البوسنة تلك المدينة. وعندما أصبح واضحاً أن جنود حفظ السلام المسلَّحين تسليحاً خفيفاً لا يستطيعون حماية المدينة، لجأ بعض البوسنيين إلى القاعدة الهولندية طلباً للأمان. ولكن الجنود الهولنديين سلّموا 300 من الذكور المسلمين للقوات الصربية، التي قامت بتعذيبهم وقتلهم.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة اتهمت الجنرال الصربي راتكو ملاديتش، الذين كان يقود الجيش الصربي، بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، ويوجد ملاديتش حالياً رهن الاعتقال في لاهاي.

وفي الحكم الذي أصدرته الثلاثاء الماضي، قالت محكمة لاهاي إنه كان ينبغي على جنود حفظ السلام أن يعلموا أن إرغام المدنيين على الخروج من قاعدتهم سيؤدي إلى موتهم. وكانت المحكمة قد أصدرت حكماً مماثلاً في 2014.

وقد أبرزت مذبحة سريبرينيتشا المخاطر التي تطرحها المناطق الآمنة إن هي أقيمت من دون احتياطات أمنية كافية. فما فعلته المنطقة الآمنة في تلك المدينة البوسنية الصغيرة في الواقع هو أنها جمعت وركزت المدنيين الذين كانوا الأكثر عرضة للخطر جميعاً في مكان واحد، من دون أن توفر الإجراءات الأمنية الكافية لحمايتهم، أو أخذ ضمانة ذات مصداقية من القوات المعادية بأنها ستحترم تلك المنطقة. والنتيجة كانت مذبحة.

يذكر هنا أن الرئيس باراك أوباما عارض إقامة مناطق آمنة في سوريا لهذا السبب بشكل أساسي، ولاسيما أنه لا قوات النظام السوري ولا داعموه الإيرانيون ظهر عليهم تأنيب ضمير جراء الحرب الدموية التي شنوها على المدنيين الذين يعيشون في الأجزاء الخاضعة لسيطرة المعارضة من البلاد.

غير أن ترامب يدعم إقامة مناطق محمية في سوريا. ففي محادثات السلام التي أُجريت الشهر الماضي، وافقت إيران وتركيا وروسيا على إقامة أربع مناطق آمنة في سوريا. وقد وافق الأسد على الخطة ولكن الثوار السوريين انتقدوها بشدة قائلين إنهم لن يقبلوا بإيران، التي تُعتبر أحد أكثر البلدان دعماً للأسد، ضامنة للأمن والحماية. وخلال الأشهر الأخيرة، دخلت الولايات المتحدة وروسيا في مفاوضات سرية لمناقشة إقامة منطقة مماثلة أيضاً في جنوب سوريا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى