صفحات سورية

سوريا وضباب الحرب


    اوكتافيا نصر

أرجو أن تعذروني لأنني أدقّ ناقوس الخطر من تحوّل النزاع في سوريا “حرباً”. لكنني لا أتعامل قط بخفّة مع الحرب، وأنصح الجميع بأن يأخذوها على محمل الجد.

حقاً، لا أدري ماذا أقول عن الوضع السوري. أظنّ أننا أطلقنا عليه مختلف التسميات، فقلنا عنه إنه انتفاضة أو ثورة، ووصفناه بأنه خريف أو شتاء أو ربيع. أما الآن فقد بات هدير الحرب مسموعاً من بعيد فيما نشاهد بألم شديد ما يعانيه السوريون. فالقوات الموالية للنظام تتعارك مع قوات المعارضة، وتقع المجزرة تلو الأخرى بينما يكتفي العالم بالتفرّج والتحسّر، ويتخبّط في حال من الإرباك الشديد حيال السبيل الأفضل للتدخّل.

إزاء هذه الأزمة الإنسانية الكبرى، نحن مجرّد متفرّجين غافلين وشهود عميان ولاعبين عاجزين في هذا النزاع. لا أحد يستطيع الولوج بحرّية إلى الأشخاص أو المعلومات، فنظام الأسد يحرص على إبقائنا جميعاً في الظلام. نعتمد على المعلومات التي تصلنا من مجموعات المصالح، والتي تُحرَّف خدمةً لأجندات متعدّدة، وترسم صورة قاتمة عن قتل السوريين، إنما على يد من؟ تكثر الروايات وتقاذف الاتّهامات، ويتبادل الجميع اللوم. يصدّق الناس ما يريدون تصديقه، ولكن لا شك في أن الحقيقة بعيدة من متناول الجميع. ما دامت لا تصلنا تقارير مستقلّة من داخل سوريا، كل المعلومات مشبوهة، وهذا بالضبط ما تريده السلطات. الخاسرون الأكبر هم المدنيون الأبرياء الواقعون في مرمى النيران، والذين يتخبّطون للبقاء على قيد الحياة في خضم كل هذه الكراهية والمناورات وسفك الدماء والقتل. وهم لا يسعهم سوى الانتظار، عاجزين، ليأتي دورهم أو ينتهي العنف بكل بساطة.

بين الأنباء عن نقل مخزونات الأسلحة الكيميائية داخل سوريا، والدعوات المستمرّة للتشدّد أكثر في العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة، والتحذيرات من تدخّل لحلف شمال الأطلسي شبيه بالتدخّل في ليبيا، وتمسّك نظام الأسد بالسلطة فيما لا يزال مدجّجاً بالسلاح حتى أسنانه، بالمعنيَين الحرفي والمجازي، ويحظى بالدعم من بلدان مثل روسيا والصين، لا يمكننا أن نصمّ آذاننا عن طبول الحرب.

تغرق سوريا الآن في سحابة من البروباغندا التي تعمي الابصار من مختلف الاتّجاهات. ونتيجةً لذلك نواجه ضباباً كثيفاً يحجب عنّا المعلومات، وليس هناك من أمل في تبدّده. وهكذا بين التضليل والتلاعب بالأنباء، تساورنا الشكوك في شأن الوضع على الأرض، ونشعر بحزن عميق لسقوط الأبرياء يومياً بطريقة همجية.

وسط هذه السحابة المظلمة، بتنا نعلم أنه عندما نسمع طبول الحرب ونشعر بلهيبها، الحرب هي حكماً على الأبواب.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى