سوريا ولبنان.. عن “الفيزا” و “العنصريّة” وصداع “الشقيقة”/ محمد الأزن
دمشق، سوريا (CNN) — خلافاً لما كان يأمل به السوريون، بأنّ الإجراءات التي فرضتها السلطات اللبنانية لتقييد، أو”تنظيم” دخولهم إلى لبنان لن تصمد طويلاً، أعلنت “المديرية العامّة للأمن العام اللبناني” يوم الجمعة الفائت، عن تصنيفاتٍ جديدة تضاف إلى تلك الواردة في قرارها السابق، والتي يحق للسوري بموجبها الحصول على إذن دخول يمنح له على المنافذ الحدودية بين البلدين، استناداً لأسبابٍ محددة للزيارة، مع إرفاق الثبوتيات المطلوبة.
يأتي ذلك بعد عشر أيّام تقريباً من قرار فرض هذه الإجراءات على السوريين لدخول لبنان، ولأوّل مرّة في تاريخ العلاقات المشتركة، والشائكة بين البلدين، منذ استقلالهما، وحدد القرار أغراض الزيارة بـ “الدراسة، السفر عبر المطار، أو أحد الموانئ البحرية اللبنانية، أو للقادمين للعلاج، أو لمراجعة سفارة أجنبية، ولملّاك العقارات”، ودخل حيّز التنفيذ في 5 يناير/كانون الثاني 2015.
التصنيفات الجديدة لمنح سمة الدخول إلى لبنان، تم تبويبها، تحت عناوين: “سائق أو مرافق، عاملة الخدمة المنزلية، معاون سائق شاحنة النقل العمومية، سائق شاحنة نقل عمومي، سائق سيارة عمومية، سائق باص أو فان للركاب، من دول أجنبية، أزواج/ زوجات اللبنانيين، زوج وأولاد حاملي بطاقة الإقامة، حاملي بطاقات الإقامة السنوية، مستأجر عقار، التسوق، ونازح”.
والتصنيف الأخير ينّص بحسب صحيفة “الاقتصادي” السوريّة على: “عدم السماح بدخول أي سوري بصفة نازح، إلا في حالات استثنائية تحدد إجراءاتها لاحقاً، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ويسمح للسوريين المسجلين سابقاً كنازحين بالدخول، شرط استيفاء شروط الدخول المحددة بموجب هذه المذكرة”، طبقا للمصدر.
موقع CNN بالعربية، علم؛ عن تحضيرات بدأتها منظمات، وجمعيات حقوقية، معظمها لبنانية، لتحرّكٍ حاشد ضد هذا القرار، رغم ما أضيف عليه من تعديلاتٍ مؤخراً، ورأى أحد الناشطين السوريين في تعليقٍ له عبر “فيسبوك” بما معناه: أن التعديلات المحدثة، (لاسيما السماح للدخول 24 ساعة للأراضي اللبنانية بغرض التسوّق)، مصممة خصيصاً للميسورين، وأولئك المرتبطين بتعاقدات مع الدولة اللبنانية، فيما يترك البسطاء، والعمال، والنازحين قسرياً لمصيرهم.
محمد حوريّة (مواطن سوري) روى لـ CNN بالعربية، ما جرى معه قبل فترة عند معبر “المصنع: خط دمشق- بيروت”، حيث اتهم عنصرا أمنيا لبنانيا بتعطيله عن سفره إلى تركيا دون أي مبرر، وقال: “إن ما ترفض السلطات اللبنانية بتسميته (فيزا)، وتروّج لها على أنها إجراءات لتنظيم دخول السوريين للبنان، ستبقى (مطّاطة) تخضع لأهواء عناصر أمن الحدود اللبنانيين.” وأشار حوريّة إلى حادثة وفاة طفلة سوريّة رضيعة مؤخراً، أثناء العاصفة التي ضربت المنطقة، بينما كانت تنتظر مع عائلتها السماح بالعبور.
ردود الفعل التي رصدناها حول الإجراءات اللبنانية الجديدة، ترجّح استمرار معاناة السوريين، على المنافذ الحدودية طويلاً، في رحلة عبورهم مضطرين إلى أراضي الدولة الجارة، و”الشقيقة”، هرباً من أتون الحرب، أو بحثاً عن فرص التواصل مع العالم الخارجي، في وقتٍ مازالت معظم سفارات دول العالم مغلقةً بدمشق، وسيكون للبسطاء النصيب الأكبر من هذه المعاناة، رغم أنّها طالت شخصيات اعتبارية سوريّة أيضاً، تعرضت لمضايقاتٍ كثيرة مؤخراً، عبر الحدود من الجانب اللبناني.
وهذا كله يصب في إطار العلاقات المتقلبة بين سوريا، ولبنان، وشعبيهما، والتي تتكأ على ميراث الحرب الأهلية اللبنانية الثقيل، والتدخل العسكري الطويل للنظام السوري وسيطرته على لبنان لسنوات واصطفافات الفرقاء السياسيين اللبنانيين، ومواقفهم المؤيّدة، أو المعارضة للحكومة السوريّة، بشأن ما يجري في “الشام”.
بالتزامن مع ذلك تتنامى العنصرية التي يواجهها السوريون من بعض أشقائهم اللبنانيين، والتي ظهرت بأوضح تجلياتها، في مقالٍ كتبه صحفي لبناني بجريدة “النهار” مؤخراً، تحت عنوان: “الحمرا ما عادت لبنانية… التوسع السوري غيّر هويتها”؛ لم ينجح بمحو آثاره نصف اعتذار/ ونصف توضيح من الصحيفة ذات التاريخ العريق.
فهل حقاً تنامت عنصرية اللبنانيين تجاه السوريين، إلى حد تحولّها إلى ظاهرة؟ الصحفية زينب حاوي “جريدة الأخبار اللبنانية” أجابت عن سؤال CNN بالعربية، بالقول: “لا يمكننا أن نتحدث عن ظاهرة مستجدة بالمجتمع اللبناني، وكذلك بالمقابل لا يمكن تعمميها على كل شرائحه، هذا المجتمع بطبيعته المختلطة عقائدياً وثقافياً تعامل مع السوري بشكلٍ دائم انطلاقاً من خلفية مأزومة تعود بالذاكرة، إلى أيام الحرب الأهلية، والوجود السوري العسكري على الأراضي اللبنانية، من هنا نمت ما يمكن أن نطلق عليه (كراهية) تغذى عليها بعض اللبنانيين، انطلاقاً من هذا الجرح الذي خلّفه الصراع الدامي بين الطرفين.”
تضيف حاوي: “باختصار العنصرية متفشية في الطرقات، وبأحاديث الناس، هناك كلام عن المزاحمة في العمل.. والأزمة تتفشى مع إيجاد أرضية مناسبة لها.”
وعن سبب تنامي هذه الظاهرة تقول زينب: “مقاربة هذا الملف خاصّةً المستجد منه، مع الأعداد المتدفقة عبر الحدود السورية طلباً للجوء، لم تتم على أساس مهني صحفي يتناول القضية مثلاً من زاوية اقتصادية اجتماعية، وآثار ذلك على الاقتصاد والديموغرافية اللبنانية، بل عُمد للتدني بالمستوى ليصل إلى ذروته في مقال “النهار”، عن شارع (الحمراء) وتحول المنطقة الى (سوداء)، بفعل التواجد السوري الكثيف داخلها.”
ولكن بالمقابل: هل لدى اللبنانيين ما يبرر هواجسهم تجاه السوريين المقيمين بلبنان؟ قالت زينب حاوي في إجابتها على سؤالنا: “الهواجس اللبنانية تجاه هذا الملف حاضرة بقوة، لكن من جهة هناك تقاعس حكومي لبناني، عن إيجاد حل لمشكلة اللجوء وتوزعه، ومن جهة أخرى، هناك استغلال لهذه القضية إعلاميا وسياسياً، وحتى أخلاقياً، تستفيد منه جهات عدة لبنانية.”
وختمت الصحفية اللبنانية حديثها لـ CNN بالعربية قائلةً: “تبقى نافذة أمل صغيرة تتمثل بأفراد وجماعات لبنانية، عدة تناهض هذه التصرفات، وتقاومها بالقلم وبالصوت، والصورة، وفي النقاشات المغلقة أو المفتوحة، ويأتي ضمن هذا الإطار الحملة المضادة التي قادها ناشطون وناشطات لبنانيون /ات بوجه مقال (النهار)، والتحرك لأي عمل مماثل، ما يوحي بأن هناك إصراراً على تثبيت ما يجمع اللبنانيين والسوريون، من أخوة وترابط جغرافي، وثقافي، وعائلي، وأقلّه إنساني.”