صفحات العالم

سوريا ولعبة الأمم


    الياس الديري

إنها لعبة الأمم ذاتها. إنما ليس على طريقة الروليت الروسيّة، بل بنكهة روسيّة من صنع الشيف فلاديمير بوتين شخصيّاً. لقد جرّبها لبنان قبل الربيع العربي. وقبل الخريف السوري.

وقد تكون اللعبة الجهنّمية اختارت البلد الصغير جغرافيّاً لوفرة التناقضات في تركيبته البشريّة، وللتوثّب الدائم بالنسبة إلى اصطياد الفرص الذي يداعب الشعوب المتنافرة ويحفّزها على المغامرات ولو كانت على شفير الهاوية.

في المجالس السياسيّة، في الكواليس، في الصحف، في الزجليّات التحليليّة على الفضائيّات والأرضيّات، يكاد يكون السؤال واحداً: لماذا كل هذا الانكفاء لواشنطن، واختفاء صوتها وحضورها عن شلالات الدم التي تتنقّل بين المدن والقرى السورية منذ ثمانية عشر شهراً، كأنّ ما يحصل هناك لا يعنيها ولا يتّصل بمصالحها الحيويّة في كل شبر من جغرافيا الشرق الأوسط؟

وهل من دور لإسرائيل في هذا الموقف الذي ينطوي على الكثير من الغموض والالتباس؟

جواب يتيم، أجوف، مبهم، يتردّد منذ الحلقة الأولى والضحيّة الأولى: في انتظار الانتخابات الرئاسيّة التي يتهافت المرشّحان المتنافسان فيها على تقبيل عتبات إسرائيل قبل جدرانها، ونيل إعجاب بنيامين نتنياهو…

أما عصبة الأمم الأوروبية، فإنها في حال لا يختلف عن حال الصبي مع خالته: تصريح خجول من هنا، نرفزة مع استنكار من هناك. مع الكثير مما يُسمّى “علْك الصوف”.

روسيا وحدها، وللمرّة الأولى، تعرّض شملتها، وتتحوّل بكل قوّتها ونفوذها رافعة دائمة للنظام السوري، ومشنكلةً معها صين ماو تسي تونغ التي تتهيّأ بدورها لتكون المحور الأوّل لدورة السياسة العالميّة، ودورة الاقتصاد، ودورة الأرض أيضاً.

بعضهم يربط هذا الغرام الروسي بالبحر السوري الدافئ الذي تستحمّ فيه الأساطيل الروسية بحريّة وأمان.

لكن ذلك لا يحول دون سقوط الوضع السوري، بكل مآسيه والمحن التي تحاصره، في حضن لعبة الأمم. ولو من بعيد لبعيد.

عندما يحصل شيء بهذا المعنى إسأل مجرّباً ولا تسأل حكيماً. ولبنان الذي لدغته لعبة الأمم لا يزال يتخبّط في سمومها حتى يومنا هذا. وربما إلى الآتي من الأيام والأزمنة.

بعدما مرّت به بوسطة عين الرمانة، حصل شيء يشبه الخرافات. لم تبق دولة غربيّة كبيرة أم صغيرة إلا تفقّدت مريض الشرق الأوسط، الذي ورث كل الأوبئة الانقلابيّة التي تعاقبت على المنطقة، وفي ظهرها “قضية العرب الأولى”.

وبموجب صك رسمي يدعى “اتفاق القاهرة”، الذي بفضله اكتملت عناصر لعبة الأمم.

قد يقول أحدهم، إن سوريا ليست لبنان. هذا صحيح. غير أن لعبة الأمم تبقى هي ذاتها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى