سوريا… ومخاطر على الطريق
إبراهيم الأصيل
تُصوّر بعض وسائل الإعلام أنّ المعركة الرئيسية المتبقية في سوريا هي معركة دمشق فقط، ولكن بصورة بانورامية للبلاد نجد أنّ هناك أجزاء كبيرة ما زالت تحت يد النظام، ابتداءً من درعا جنوباً، إلى دمشق المدينة وأجزاء كبيرة من حمص وحماه، وبعدها المناطق الساحلية كطرطوس واللاذقية، وجيوب في بقية المحافظات.
بكلمات أخرى النظام يضع يده على المعابر الحدودية مع الأردن، والمعابر الحدودية مع لبنان، بالإضافة للمرافئ والمنافذ البحرية في اللاذقية وطرطوس بأهميتها العسكرية والتجارية، وهذه المناطق يصلها ببعضها شريان مواصلات آمن إلا من بعض الهجمات هنا وهناك. ولكن رغم ذلك لا يمكن للنظام الخروج بأي سيناريو يتيح له إعادة السيطرة على ما فقده من البلاد، وأمله الوحيد حالياً أن يستطيع استدراج مقاتلي الجيش الحر إلى معركة يقصم فيها ظهرهم مهما تطلّبت من عنف وأسلحة علّها توقف تقدّمهم تجاه العاصمة.
من ضمن سيناريوهات هذه المذبحة أن يتم استدراج مقاتلي الجيش الحر إلى داخل دمشق دون أن يكون الريف محرراً بالكامل، فيطوّقهم ويقطع عنهم الإمدادات ويصفّي أكبر عدد ممكن منهم، وفي الواقع حاول النظام تطبيق هذا السيناريو بشكل تجريبي في الأحياء الجنوبية من دمشق، لكنّه فشل وبقيت تلك الأحياء خارج سيطرته.
أمّا النهج الذي يتبعه الجيش الحر فيعتمد على تسريع اهتراء قواعد النظام قبل كسرها، فيحاصر المواقع أياماً وأحياناً أسابيع طويلة ممّا يجعل عملية الاقتحام تسير كما يُراد لها، وهم لا يغنمون معدات وأسلحة فحسب، ولكن خبرتهم وقدرتهم على التخطيط وإدارة المعركة تتطوّر بشكل ملفت. بناءً على ذلك واذا ما استمرت الأمور بالتطور بشكل خطّي دون مفاجآت حقيقية فسيقع الشمال والشرق خلال أسابيع في يد الجيش الحر، وحينها سيكون أمام الثوّار خيارات استراتيجية هامّة جدّاً ليصنعوها. ففي حال قرّر الجيش الحر دخول دمشق سيصطدم بجدار من سبعين ألف جندي موال مدرّب ومجهّز بأفضل العتاد، من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وأفواج القوات الخاصّة وهم يشكّلون جيشاً صغيراً متماسكاً ومشكلة لا تُحل حتى برحيل بشار الأسد، وسيكون الجيش الحر قادراً على إيلام هذه القوّات في دمشق لكنّه لن يكون قادراً على الحسم بشكل واضح، وستدخل دمشق محرقة نعرف بدايتها ولا نعرف نهايتها.
إغلاق الأبواب أمام محاولات النظام لتقطيع أوصال البلاد أو تشكيل ملاذات آمنة لمجرمي الحرب يتطلّب بعثرة قوى النظام وقطع خطوط إمداده الاستراتيجية شمالاً وجنوباً قبل التفكير بمعارك الحسم. ولا يجب أن تقتصر المواجهة وعدم ترك مناطق صلبة لأقدام النظام على الأدوات العسكرية، فما تزال وسائل المقاومة المدنية اللاعنفية تحمل قدرة كامنة جبّارة وأثبت الشعب السوري قدرة عالية على تطوير واستخدام أدواتها. ولكنّ التطرّف الفكري والسياسي والعسكري هو العامل الأساسي الذي يحبط نشاطات الحراك السلمي، في حين أنّ هذا الحراك والقوى المدنية للثورة هي الوحيدة القادرة على تطوير موقف الجمهور الرمادي من الشعب السوري وسحب ذرائع الخوف من قوى الموالاة وضبط مشاعر الانتقام.
إنّ إشراك كافة فئات الشعب في الثورة للتخلص من النظام ودخول كافة مناطق البلاد وشرائح الناس في المقاومة بكافة أشكالها دون التركيز على مدن أو أخرى هو الوسيلة الوحيدة لحماية ما تبقى من البلاد وأهلها من سياسة الأرض المحروقة بما فيها دمشق وملايينها الخمسة والملايين الثلاثة الإضافيين الذين دخلوها مؤخراً كنازحين وتكتظ بهم أرصفة وحدائق دمشق، وهؤلاء لم يعد لهم مكان آخر لينزحوا إليه.
بالنسبة للشمال السوري فهناك خطر أن تتحول تلك المناطق لإمارات يحكمها جنرالات حرب، ولا شك بأن تركيا التي تعلمت الكثير من تجربتها في شمال العراق تنظر بقلق لاحتمالات انفراط عقد الدولة وانكشاف المناطق الكردية على احتمالات غير معروفة، من هذا المنطلق فإن وجود استراتيجية واضحة متفق عليها بين قيادة الائتلاف الوطني – بما فيها مكونها الكردي- من جهة والأتراك من جهة أخرى ضروري للاتفاق على ضمان استقرار المناطق المحرّرة في الشمال واستمرار الحياة فيها.
يريد النظام أن يأخذ الشعب السوري رهينة الغرائز، فيحاول أن يأخذ قوى الثورة رهينة الانتقام كما أخذ الموالين رهينة الخوف. لا تهدف الثورة لإضعاف أحد المكونات الأصيلة للشعب السوري، لذا فالسؤال الجوهري والتحدّي الوطني هو كيف نصوغ حلّاً صفريا مع النظام وبنفس الوقت حل رابح-رابح مع المكوّنات المجتمعية الموالية، فمجرّد محاولة القضاء على تلك المكوّنات المجتمعية قد يكون أقصر طريق نحو تقسيم البلاد وحرقها.
‘ باحث سوري في مركز الشرق للبحوث
القدس العربي