صفحات العالم

سوريا ومسألة التدخل الخارجي


عوني صادق

الفيتو الروسي – الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي طرح بقوة أشد، وبشكل مباشر، مسألة “التدخل الخارجي” في الوضع السوري، في وقت كان التبرير الأول والأهم الذي برر به الروس والصينيون لجوءهم إليه هو أنه جاء لمنع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية، ثم يأتي بعد ذلك ما يقال عن “انتهاك القانون الدولي” .

منذ بداية الأزمة السورية، كانت كل أطراف الأزمة تقريباً، وكل المنشغلين بها، المؤيد منها للنظام السوري والمعارض له في الداخل والخارج، دولاً وجماعات، الجميع يعلنون أنهم ضد “التدخل الخارجي”، خصوصاً العسكري منه . وفي الأسابيع الأخيرة فقط، بدأت تعلو، بشكل واضح، بعض أصوات المعارضة الخارجية تدعو إليه بحجة انسداد الأفق أمام الحل السياسي للأزمة . وكانت آخر التعديلات التي أدخلت على مشروع الجامعة العربية الذي قدمته المغرب، تستجيب لمعظم المطالب الروسية والصينية، وتؤكد بشكل صريح لا لبس فيه استبعاد التدخل العسكري الخارجي . لكن ذلك لم يكن “كافياً” في نظر موسكو وبكين، ما أدى إلى إفشال المشروع بلجوئهما إلى الفيتو .

ما انتهت إليه الأمور في أعقاب التصويت، أعاد طرح جملة تساؤلات، أولها التساؤل عن المقصود بمصطلح “التدخل الخارجي”؟ وإذا كان ليس اكتشافاً القول إن كل الدول الكبرى تتدخل دائماً في أي موضوع تعتبره يحمل تهديداً لمصالحها، سواء وجد من يطالب بهذا التدخل أو لم يوجد، فإن الأمر ينطبق على الموضوع السوري . الولايات المتحدة تتدخل والاتحاد الروسي يتدخل، فرنسا وبريطانيا تتدخلان، والصين أيضاً تتدخل . إن الدعوة إلى التدخل أو إلى عدم التدخل لا تقدم ولا تؤخر، وما تجب ملاحظته أن الدول الكبرى عندما تقرر أن تتدخل لا تستأذن وإن كانت تلبس تدخلها أزياء مختلفة، لكنها تدرس الظروف وتختار الوقت المناسب للتدخل . والسؤال هنا هو: من المسموح له بالتدخل، ومن غير المسموح له؟ هل مسموح لطرف أن يتدخل، وغير مسموح لطرف آخر؟ المبدأ، حسب ميثاق الأمم المتحده، أنه ممنوع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا إذا كان الوضع المبحوث “يهدد السلام والأمن الدوليين”، وهذه قضية تقدرها الدول الكبرى من خلال مجلس الأمن الدولي . أما الواقع فهو أن القضية مرهونة أولا بقدرة الدولة التي يراد التدخل في شؤونها، ودورها في منع هذا التدخل . أما أين يقف الطرف المتدخل، فهذا يخص الدولة المتدخلة التي تتدخل انطلاقاً من مصالحها .

بالنسبة إلى سوريا كان باستطاعة النظام السوري أن يسد الطريق أمام التدخل الخارجي بعدم اللجوء إلى الحل الأمني، وبالاستجابة للمطالب الشعبية التي رفعتها الاحتجاجات . وبعيداً عن أي تنظيرات منحازة، لا يوجد فرق حقيقي بين التدخل الأمريكي والتدخل الروسي في الشأن السوري، فكلاهما يبحث عن مصالحه، ومصالحه هي التي جعلته يقف إلى جانب النظام السوري أو ضده، وليس لأي اعتبار آخر، مثل “الوقوف إلى جانب الشعوب في اختيار حكامها ونظم الحكم التي تريد”، أو “احترام وعدم انتهاك القانون الدولي”، وخصوصاً ليس لأي اعتبار سوري، أياً كانت الجهة السورية التي ترفعه .

القضية الثانية التي فتح التصويت الروسي- الصيني في مجلس الأمن الباب عليها تتمثل في الإجابة عن السؤال الآتي: هل أدى إفشال المشروع العربي إلى إبعاد التدخل الخارجي حقّاً، كما يقول الروس والصينيون؟ يبدو أن الجواب، لسوء الحظ، هو بالسلب . كيف ؟

* أولاً، لأن مشروع القرار، بعد التعديلات، استبعد بشكل صريح التدخل العسكري الخارجي، كما سبق وأشرت . الآن، بعد فشل المشروع، أصبحت الدول التي أجبرت على قبول التعديلات تجد نفسها حرة في اختيار ما تراه مناسباً “لمساندة الشعب السوري”، واضعة المسؤولية كلها على الدول التي أفشلت المشروع، والتي تبدو كأنها فتحت الباب أمام كل أنواع التدخل الخارجي، من خارج الأمم المتحدة، ومنها التدخل العسكري الذي استبعد، في الوقت المناسب، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة المواجهات العسكرية على الأرض، وارتفاع أعداد القتلى من المدنيين السوريين .

* ثانياً، لأن الوضع السوري متشابك جيوسياسياً، مع الموقف من إيران وحزب الله من جهة، ومع “إسرائيل” من جهة أخرى . فالتهديدات “الإسرائيلية” التي توحي بأنه لا مهرب من توجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية حتى الربيع المقبل، والتسريبات عن الخلاف بين واشنطن و”تل أبيب” حول سبل مواجهة المشروع النووي الإيراني والذي ما زالت الإدارة الأمريكية تستبعد منها العمل العسكري، تضع احتمالاً بأن تلجأ الحكومة “الإسرائيلية” إلى الضربة العسكرية من دون موافقة أمريكية، وهي واثقة بأن واشنطن لن تتركها وحيدة في مواجهة التبعات اللاحقة . في ضوء احتمال كهذا، وحيث إن واشنطن تعرف أن الاشتباك العسكري مع إيران هو أخطر بكثير بتبعاته وتداعياته من الاشتباك مع سوريا، يمكن أن تلجأ إلى “خطوة استباقية” تستهدف سوريا، بحجة “الوقوف إلى جانب الشعب السوري”، وهي في الحقيقة تستهدف إيران، بتدمير الجسر الواصل بين طهران وجنوب لبنان . بذلك تكون الإدارة الأمريكية قد حققت ثلاثة أهداف في ضربة واحدة: إسقاط النظام في دمشق، وإضعاف النظام في طهران وكذلك حزب الله في لبنان، وسد الطريق أمام تصرف “إسرائيلي” متهور يورطها مع إيران .

ومع أن موسكو وضعت موقفها تحت عنوان “رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية”، إلا أنه استند إلى فرضية تقول بعجز الولايات المتحدة وأوروبا، في هذه اللحظة، عن التدخل العسكري، لكنه ليس من المؤكد أن تكون حساباتها صحيحة .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى