سوريا وموعدها مع الاستعمار
ساطع نور الدين
يصعب الجزم في ما اذا كان غياب اي ذكر للبنان في حوار الرئيس السوري بشار الاسد مع الفضائية السورية مساء الاربعاء هو مدعاة للارتياح او القلق؟ المؤكد ان الكثير من اللبنانيين شعروا بالاستغراب، ولعل بعضهم شعر بالوحشة. مع ان الامر قد لا يعدو كونه خطأ او سهواً ممّن اعدوا لذلك الحوار التلفزيوني او من الرئيس نفسه… فإنه يحيل لبنان الى موعد آخر، او يضعه في مصاف دول اخرى سقط اسمها ايضا، بشكل مستغرب اكثر، مثل السعودية وقطر.
للبحث صلة. لكن الانطباع الاول هو ان لبنان لا يشكل خطراً داهماً، او هاجساً ضاغطاً مثل الاردن، الذي استحق وقفة مطولة من الاسد يمكن اعتبارها اهم محتويات الحوار ووظائفه التي يبدو انها لا تحسب حساباً جديا للجبهة اللبنانية ولا للقوى التي تخوض معركة حماية النظام السوري او معركة اسقاطه، ولا تدرك انها ستكون الضحية الاولى لمثل هذه المعركة التي تفوق اي وزن لبناني مهما كان متضخما.
المحتوى الاردني لكلام الاسد هو بلا ادنى شك منعطف حاسم في مسار الازمة السورية، وفي التقلبات الاردنية التي لم تكن مبنية فقط على معايير مالية، كما في ملف النازحين السوريين الذين تريد عمّان ان تقبض تعويضاتهم سلفا، او في ملف النفط العراقي الذي تتلقاه باسعار تفضيلية لقاء اقفال حدودها مع سوريا، او طبعا ملف المهجرين الفلسطينيين الذي منعوا من دخول الاردن… بل كانت تستند اساسا الى اهم عاملين في اطالة امد الازمة السورية وهما الموقف الاميركي والموقف الاسرائيلي.
في اعداد سابقة من “المدن” اكثر من تقرير عن الاختراقات الاستخباراتية والامنية الاميركية والاسرائيلية للاراضي السورية المتاخمة للاردن والجولان، بل وحتى لصفوف المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل النظام في محافظة درعا. وهي اختراقات وصفت بانها وقائية هدفها ضمان امن الحدود السورية الجنوبية، وامن الاسلحة الاستراتيجية الموجودة في تلك المنطقة… حتى ولو اقتضى الامر اقامة شريط امني داخل الارض السورية.
مثل هذا الشريط سقط من حوار الاسد الذي وجه اول واخطر تهديد الى الاردن، بناء على معلوماته التي تفيد بأن الالاف من المسلحين المدججين باتوا يعبرون الحدود للقتال في سوريا. ما يعني، حسب تقديره، ان عمّان تخلت عن حذرها الماضي في التعاطي الانتهازي مع الازمة السورية، الذي افسح المجال، في بعض الاحيان، لتسلل مقاتلين اسلاميين متطرفين الى سوريا، ودخل الأردن المواجهة بشكل مباشر ضد النظام في دمشق. وهو ما سارع الادرن الى انكاره حرصا على قواعد اللعبة التي تحكم العلاقات المعقدة بين البلدين.
مثل هذا التغيير في الموقف الاردني، اذا صدقت رواية الاسد، لا يعني المزيد من الابتزاز، بل هو يرقى الى مستوى التحول الجوهري في الموقفين الاميركي والاسرائيلي اللذين يأخذهما الاردن في الاعتبار اكثر من اي مواقف اخرى متصلة بالازمة السورية، مهما كانت المغريات المالية والسياسية.
حتى الان ليس هناك دليل على مثل هذا التحول في الموقفين الاميركي والاسرائيلي اللذين عطلا طوال العامين الماضيين جميع مساعي تسليح، بل وحتى توحيد، المعارضة السورية وتمويلها… ما يصدر من واشنطن والقدس المحتلة لا يبنىء بغير الحرص المتبادل على دوام الحرب الضارية في سوريا وعلى استنزاف جميع المتحاربين والممولين والمسلحِين لطرفي تلك الحرب من دون استثناء. وهو ما صاغه بشكل فظ الكاتب الاميركي الصهيوني دانيال بايبس، في مقال اخير على موقع ” ناشيونال ريفيو اون لاين”.
ولعل هذا ما يجعل الصورة رمادية بالنسبة الى الاسد، الذي يتهم ضمناً الاميركيين والاسرائيليين بفتح الجبهة الجنوبية ضد نظامه، كما بالنسبة الى معارضيه الذين يتهمون اميركا واسرائيل بانهما تمنعان اسقاط ذلك النظام وتحرصان على اطالة عمره… كلا الجانبين على حق، مع ان الازمة نفسها لا تسمح بمثل هذا الخطأ الفادح في تقدير دور الخارج وحجم الداخل، ولا تفسح المجال لإنكار دهاء اميركا واسرائيل، وغباء طرفي القتال في سوريا.
كان حوارا تلفزيونيا سورياليا. حديث الاسد عن الاستعمار الجديد لا يستقيم مع شكوى المعارضة من الاستعمار القديم.
المدن