صفحات الناس

سوريا وهاجس الهوية الجديدة/ فادي الداهوك

طوال الأزمة السورية، واظب مجلس الشعب في سوريا على الخروج بقرارات تبدو وكأنها منفصمة عن الواقع. قرارات تصدر تارة حول مواضيع تخص الزراعة أو التجارة وتارة عن الإعفاءات من الغرامات والفوائد.

 المعلوم في سوريا أن المجلس لا يصدر القرارات، بل يوافق عليها بعد تحضيرها في الدوائر الأمنية وفقاً لآلية صنع القرار المتبعة في دمشق. أحدث قرار صادر عن المجلس، يعزز هذا الرأي السائد، إذ جاء مفاجئاً ومختلفاً عما سبق ليلامس صلب الأحداث الدائرة في سوريا.

مجلس الشعب أقرّ قبل حوالي أسبوع الموازنة اللازمة لتنفيذ مشروع تغيير البطاقة الشخصية بتكلفة بلغت 28 مليون يورو. معاون وزير الداخلية، عادل الديري، قال في حديث نقلته وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا”، إن القرار يهدف إلى “تهيئة شروط الإقلاع بمشروع الحكومة الالكترونية وإدخال البصمة الإلكترونية على البطاقة، ما سيجنب خزانة الدولة دفع 10 ملايين يورو تكلفة تنفيذ مشروع البصمة بشكل منفرد”، الذي يهدف إلى جمع بيانات السوريين من خلال البصمة الالكترونية”.

 لكن تبريرات النظام “الاقتصادية” للقرار لم تقنع الكثيرين. تتصاعد موجة التشكيك لدى شريحة واسعة  من السوريين بصحة كلام معاون الوزير، متهمين النظام بأنه يسعى إلى إسقاط الجنسية عن النازحين والمعارضين له من خلال قرار كهذا.

 كيف يمكن أين يتحقق ذلك؟ الصحافي السوري، فادي سعد، يرى في حديث لـ”المدن”، أن هذا القرار يقود بالفعل إلى إسقاط الجنسية عن كل من لا يستطيع امتلاك البطاقة الجديدة، لافتاً إلى أن هذا الإجراء اتخذه النظام السوري في الثمانينيات على خلفية أحداث حماه. أما في الوقت الحالي فقد تكون له أبعاد خطيرة على وحدة سوريا.

 وحول الفائدة من هذا الإجراء في ما لو كان الهدف منه بالفعل هو إسقاط الجنسية، يقول سعد إن “إسقاط الجنسية السورية عن أصحابها سيسقط حقهم  في ممارسة أي نشاطٍ قانوني أو سياسي أو انتخابي”.

 وبينما يلتزم النظام الصمت حيال هذا الموضوع، يصف أحد الشبان السوريين، طالباً عدم الكشف عن اسمه، الأمر بأنه يثير الرعب، لأنه يتعلق بأشخاص كثيرين، النازحين والمعتقلين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو حتى الذين لا مشكلة لهم مع النظام لكنهم لا يستطيعون تجديد هوياتهم.

  ويضيف “عندما تخرج البطاقة الحالية عن الاستخدام سيكون كل من لن يمتلك البطاقة الجديدة غير قادر على ممارسة أي نشاط يتطلب مستندات شخصية، حتى أنه لن يكون قادراً على شراء خط خلوي”.

 ويتابع حديثه واصفاً حالة من لن يكون بمقدورهم الحصول على البطاقة الجديدة بـ”المحاصرين في منازلهم” من دون الحاجة لاستخدام دورية أمنية في ذلك، مشيراً إلى أن “الملايين من السوريين بمن فيهم المقيمون في مناطق للنظام لن يكون في متناولهم الحصول على البطاقة الجديدة، لأسباب عديدة، قد تكون إحدها أن الكثيرين منهم مطلوبون للخدمة الإلزامية ولم يلتحقوا بها بعد”.

 لكن أحد الصحافيين السوريين العاملين في وزارة الثقافة السورية، طلب من “المدن” عدم الكشف عن اسمه، حدّ من هذه المخاوف من خلال عدة معطيات، إذ رأى أن هذا القرار، فيما لو نفّذ، سيثير حفيظة ملايين السوريين الحاملين للهوية السورية، ممن دفعتهم الأحداث إلى الخروج من سوريا، وهؤلاء سيشكلون قوة ضغط على حكومات البلاد التي يقطنون فيها”. وعلل ذلك قائلاً إن “نسبة كبيرة من هؤلاء يعتبرون أنفسهم ضحايا للأحداث في سوريا وليسوا طرفاً في النزاع”. كما أن القرار يطال الملايين المتواجدين “في مناطق خارج سيطرة النظام”.

 وأضاف ” إن كان ما يتجاوز الـ 14 مليوناً، سيتأثرون من هذا القرار، خارج حسابات النظام فليس بالإمكان أن يكونوا أيضاً خارج حسابات الرأي العام العالمي ومجموعات الضغط الدولية، وسينجم عن ذلك فضيحة إنسانية لن يكون المجتمع الدولي مكتوف الأيدي حيالها”.

 وحول الرأي القائل إن هذه الخطوة تأتي لهدف انتخابي، استبعد ذلك على عكس ما ذهب إليه تيار بناء الدولة، الذي اتخذ موقفاً سريعاً من الأمر، حيث أصدر بياناً استنكر فيه القرار. وأشار إلى أن توقيت هذا المشروع مع الظروف الحالية تقف خلفه نوايا سياسية وأمنية، ولا سيما أن استحقاق جنيف 2 يمكن أن يعتمد على الانتخابات الرئاسية أو التشريعية كحل للأزمة السورية، وهذا ما يعني أن المستفيد الوحيد من هذه البطاقة هم الموالون للنظام.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى