سورية أمام مرحلة جديدة طويلة الأمد
وليد شقير
تطلق مهمة المراقبين العرب في سورية مرحلة جديدة من الأزمة السورية لأن ما قبل بدء عمل هؤلاء على الأراضي السورية شيء وما بعده شيء آخر.
ويمكن القول إن تسليم القيادة السورية بالمبادرة العربية، على رغم الشكوك بإمكان نجاحها، ينقل الأزمة الى مسار جديد من البحث عن حلول للأزمة، قد يطول أو يقصر تبعاً لدينامية الصراع الداخلي الدائر بين النظام السوري وبين معارضيه في الشارع وفي الطبقة السياسية الساعية الى التغيير. وهي المرة الأولى منذ عقود، لا تكون فيها القيادة في سورية محوراً رئيساً في اتخاذ القرارات العربية، لأنها باتت موضوع القرارات العربية، أي أن دمشق انتقلت من صنع السياسات العربية لتصبح بسبب أزمتها الداخلية، دولة غير قادرة على ترتيب وضعها الداخلي إلا تحت وصاية عربية تتمتع بدعم دولي من فرقاء عجزوا عن أن يجدوا تصوراً مشتركاً للتعاطي مع الوضع السوري في مجلس الأمن. فالمبادرة العربية، إضافة الى أنها تلقى الدعم الغربي، الأميركي – الأوروبي، والتركي، حظيت بمساندة موسكو وبكين اللتين عارضتا تدويل الأزمة عبر مجلس الأمن. وحدها طهران اكتفت بدعم ما قررته سورية من تجاوب مع بروتوكول التعاون العربي من دون أن تعلن دعمها مبادرة الجامعة العربية أسوة بما فعلته موسكو.
فطهران تدعو الى إشراف إقليمي على الأزمة السورية يتعدى الجامعة العربية لتكون هي شريكاً في «الوصاية» العربية على الأزمة السورية خلافاً لتركيا، التي حضرت اجتماعات مجلس الجامعة وانخرطت في مداولات قرار إرسال المراقبين وصوغ بروتوكول التعاون، ومن ثم في اتخاذ قرار العقوبات، وكانت البادئة في تطبيقها. أما القيادة الإيرانية فسارعت الى تعويض دمشق عن هذه العقوبات عبر التسهيلات الاقتصادية والمالية والجمركية التي خصّت سورية بها.
وهذا ما يجعل المبادرة العربية إيذاناً بمرحلة جديدة، من بين عناوينها التفاوض الإقليمي والدولي على كيفية معالجة الوضع في سورية. وعلى افتراض نجاح الجزء الأول من المبادرة بانتشار المراقبين العرب ووقف آلة القتل التي يمارسها النظام (لأن لديه القدرة على إفشال هذه المرحلة أيضاً)، فإن هذا النجاح يطرح على النظام والمعارضة تحدي مدى قدرة كل منهما على إثبات شعبيته في الشارع، بحيث ينزل كل منهما جمهوره الى الساحات. وهذا التحدي هو الذي يدفع كثيرين الى الحديث عن افتراض آخر هو اعتماد النموذج اليمني في نقل السلطة في سورية. ولا يعني النموذج اليمني بالنسبة الى سورية سوى أن القوى الدولية والإقليمية سلّمت بضرورة انتقال السلطة في دمشق، لكن بالتدريج، وأن تنحي الرئيس بشار الأسد سيأخذ وقتاً من ضمن عملية سياسية متتالية الخطوات، من الطبيعي أن تقاومها القيادة السورية، وأن تؤخرها القوى الخارجية قدر الإمكان، لأن إطالة عمر النظام من قبل إيران وروسيا يتيح لهما التفاوض مع القوى الأخرى الساعية الى إزاحته، فهما الدولتان اللتان تحميان النظام حتى الآن على الصعيدين الدولي والإقليمي، ولكل منهما ملفاته مع المعسكر الساعي الى تغييره. وليس صدفة أن يكون وزير الاستخبارات الإيراني طرح خلال زيارته السعودية قبل زهاء أسبوعين التعاون على معالجة ملفات العراق، سورية، فلسطين، لبنان وأمن دول الخليج، وفق ما تسرب من أنباء، في وقت لا يبدو المناخ الخليجي والسعودي مستعداً للمساومة مع طهران على هذا المستوى بينما المنطقة تشهد التغييرات التي تعتمل فيها. أما موسكو فتتراوح الملفات بين مكاسبها الاقتصادية في المنطقة بدءاً بعلاقتها مع الرياض وانتهاء بالقضايا الاستراتيجية العالقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، وفي طليعتها الدرع الصاروخية في أوروبا.
أما على الصعيد الداخلي، فإذا كانت المرحلة الجديدة في سورية تنقلها الى النموذج اليمني، فإن الأخير قضى بتخلي الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة مقابل بقاء الجيش والأجهزة الأمنية تمهيداً لإعادة هيكلتها وتقاسم السلطة بين الأحزاب والقبائل في انتظار الانتخابات. أما المطروح في سورية، فهو بقاء الرئيس الأسد حتى عام 2014 مع تفكيك الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإلغاء أحادية سيطرة الحزب على الحياة السياسية والجيش والجامعات والمؤسسات التعليمية (لأن الدستور ينص على ذلك أيضاً) مع حفظ مؤسسة الجيش كي لا تتكرر تجربة فرطه كما حصل في العراق… وهذا ما سترفضه القيادة الحاكمة حالياً وليس الأسد وحده.
كل ذلك يجعل المرحلة الجديدة من التفاوض بين مكونات المشهد السوري الداخلية وبين القوى الخارجية طويلة الأمد، خلافاً لما يعتقده البعض.
الحياة