صفحات العالم

سورية: اعتراف بخطورة العسكرة


رأي القدس

سقط يوم امس اكثر من خمسة وعشرين شهيدا برصاص قوات الامن السورية، معظمهم في مدينة حمص التي ما زالت الميدان الرئيسي للمواجهات بين المنتفضين المطالبين باطاحة النظام والقوات الامنية المدافعة عنه.

انباء المواجهات الدموية هذه ليست جديدة، بل باتت في نظر البعض امرا روتينيا يتكرر بصفة يومية، مع فارق في ارقام القتلى، سواء في صفوف المدنيين الذين يسقطون برصاص قوات النظام، امنية كانت او عسكرية، وهم الاغلبية، او العسكريين والشبيحة الذين يقتلون في هجمات لعناصر مسلحة تابعة للمجلس العسكري السوري (جيش سورية الحر) الذراع العسكرية للمعارضة.

الجديد يمكن تلخيصه في امرين مهمين، الاول هو تراجع المعارضة السورية عن ‘عسكرة’ الانتفاضة، والثاني تبني اساليب الثورة المدنية باشكالها كافة مثل الاضرابات والاعتصامات والعصيان المدني.

الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري الذي يمثل الفصيل الابرز في المعارضة الخارجية طالب في حديث لوكالة ‘رويترز’ المنشقين عن الجيش السوري ان يقصروا عملياتهم العسكرية على هدف الدفاع عن المحتجين المناهضين للحكومة، وقال انه حث قائد الجيش السوري الحر الذي ينضوي تحت رايته المتمردون المسلحون على وقف الهجمات التي تستهدف الجيش والقوات الموالية للنظام.

موقف الدكتور غليون هذا نابع من مخاوفه من انزلاق البلاد الى حرب اهلية تضع الجيش الحر والجيش الرسمي في مواجهة كل منهما الآخر حسب قوله، وهو موقف صحيح وعقلاني كان يجب اتباعه منذ اليوم الاول لانطلاق فعاليات الانتفاضة السورية ومطالبها المشروعة في الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي.

عسكرة الانتفاضة التي بدأت سلمية، كانت من اكبر الاخطاء التي وقعت بها بعض فصائل المعارضة، لان هذه ‘العسكرة’ صبت في مصلحة النظام وطروحاته التي حرص على تسويقها منذ اليوم الاول لانطلاقة الاحتجاجات، عندما اوحى بان قوات الامن لا تواجه انتفاضة سلمية وانما عصابات مسلحة تطلق النار على الجيش وقوات الامن. ولا شك ان مسلحين دخلوا على خط الانتفاضة للدفاع عن انفسهم والمحتجين السلميين، ولكن النظام واجهزة اعلامه بالغا في تضخيم حجم هؤلاء ودورهم وخطرهم.

جيش سورية الحر الذي يتزعمه العقيد المتقاعد رياض الاسعد يظل جيشا صغيرا فقير التسليح، ويتكون من مجموعة من الجنود المنشقين الذين لجأوا الى معسكرات اللاجئين السوريين في تركيا، ولذلك فان قدراته العسكرية، الهجومية منها او الدفاعية، تظل محدودة للغاية، ومتواضعة جدا بالمقارنة مع الجيش الرسمي السوري الذي يزيد تعداده عن نصف مليون جندي، يتمتع بتسليح جيد وحديث، وخبرات قتالية عالية، ومعزز بالدبابات والمدرعات والمدفعية والصواريخ باشكالها وابعادها كافة.

ولا نعرف ما اذا كان العقيد الاسعد سيستمع الى مناشدات الدكتور غليون ويعمل على تنفيذها، فالجيش السوري الحر الذي يتزعمه انضم قبل اسابيع الى المجلس الوطني السوري، مما يعني ان تأثير رئيس المجلس عليه يظل محدودا، وللانصاف فان الدكتور غليون اعترف في المقابلة نفسها بانه لا يملك النفوذ الكافي لمنع وقوع حرب اهلية، مما يوحي بانه ليس مسيطرا بالكامل على هذا الجيش.

اعتماد العصيان المدني كاحد اساليب المقاومة السلمية ضد النظام هو خطوة جيدة، ولكنها جاءت متأخرة، علاوة على كونها غير مضمونة النجاح، فالشعب السوري منقسم في الداخل، وما زالت هناك مدن تؤيد النظام، سواء لقناعة او خشية من بطشه الدموي، مثل دمشق وحلب واللاذقية، ولذلك فعلى المعارضة ان تتوقع ان اعدادا كبيرة من الموظفين في الدولة والقطاع الخاص قد لا تلبي الدعوة الى الاضراب خوفا من النظام وبطش قواته وشبيحته مما يعني ان نتائج غير مريحة ربما تترتب على ذلك بالنسبة الى المعارضة في الداخل والخارج معا.

وربما تبدو الصورة اكثر وضوحا اذا وضعنا في اعتبارنا ‘فتور’ همة الجامعة العربية تجاه الملف السوري فجأة، واعادة امريكا وفرنسا والمانيا لسفرائها الى دمشق فجأة وبصورة جماعية دون تقديم اي تفسيرات مقنعة.

الدكتور يوسف القرضاوي افتى بجواز التدخل الاجنبي لنصرة الانتفاضة السورية في حال فشل الجهد الدبلوماسي العربي، وهي فتوى مهمة، ولكن من الصعب ان نرى السيناريو الليبي يتكرر في سورية بسبب الموقفين الروسي والصيني الداعمين للنظام، وعدم وجود نفط في سورية.

عودة الانتفاضة السورية الى سلميتها رغم تكاليفها البشرية الباهظة بسبب دموية النظام، هي الخيار الافضل، رغم ان نتائجها لن تأتي بسرعة، لان التدخل الاجنبي، رغم كثرة الحديث عنه ما زال صعبا لكلفته العالية ونتائجه غير المضمونة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى