سورية: التعددية والمرحلة الانتقالية
عبدالله اسكندر
في سورية اليوم عدد غير قابل للحصر من التنظيمات والهيئات والمجموعات والتنسيقيات والمجالس والمنابر الخ… المنتمية إلى المعارضة، ولو أن بعضها فرض نفسه سواء عبر العمل السياسي أو العمل على الأرض ضد النظام، وبات اكثر شهرة من غيره. ويكاد المتابع أن يضيع بين الأسماء الكثيرة التي يتداولها الإعلام، ولو أن الشعارات الأساسية تبقى نفسها.
هذا الواقع قد يبدو مستغرباً في ظل الحملة العسكرية الدموية التي يشنها النظام على المدن والبلدات السورية، مع ما تحمله من ارتكابات ومآس بشرية وخسائر مادية، ومع ما تؤكده من استحالة التعايش مع مثل هذا النظام الذي استعدى غالبية الشعب السوري، ومع ما تظهره من تآكل في نظام لا بد انه آيل إلى السقوط، بسرعة متزايدة.
أي أن وضع المعارضة يكاد يتناسب عكساً مع وضع النظام. فكلما اقتربت ساعة انهيار النظام تزداد المعارضة تفتتاً وتشتتاً. في الوقت الذي ينبغي، كما تدعو كل القوى الإقليمية والدولية الداعمة للمعارضة، إلى إيجاد صيغة تجمع غالبية من اجل تشكيل البديل فور أن تتيح الظروف ذلك.
ثمة فرق جوهري بين التعدد السياسي المطلوب، في أي بديل ديموقراطي، يعكس تعدد المجتمع الأهلي السوري ويعبر عنه، وبين بروز أشكال لا حصر لها من التعبير السياسي يحاول كل منها أن يستأثر بالقرار. التعدد السياسي حالة طبيعية وضرورية في أي نظام ديموقراطي وفي تشكيل صورته. لكن هذا التشتت، وإن كان يصب في خانة السلبيات، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعمر النظام الحالي الذي لم يدع أي مجال لنمو ما يمكن أن يشكل نواة لمعارضة أو لبديل. فطارد كل فكرة أو شخصية أو هيئة، واستخدم كل الأساليب من اجل تجفيف منابع السياسة في المجتمع المدني السوري. وإن تمكن النظام، عبر الاضطهاد والقهر والسجون والفساد والشعارات القومية الكبيرة، من فرض «استقرار» خلال أربعة عقود لم تشهده البلاد من قبل، فإن ذلك لم يكن ممكناً من دون استئصال السياسة من المجتمع.
واليوم مع انحسار هذا الشكل السلطوي، تتفتح كل الأصوات ويظهر الاعتراض على نحو ما نراه من كثرة أشكال التعبير عنه، ولو على نحو عشوائي.
وفي مقدار ما تكون التعددية السياسية تعبيراً عن الديموقراطية، في مقدار ما يعبر تعدد الأصوات في المعارضة عن الشعور بالانعتاق من وطأة النظام وبطشه وانحسار نفوذه.
واليوم، مع ازدياد الضغط، والحاجة أيضاً، من اجل إيجاد صيغة أو هيئة أو شكل من التنظيم العام ليتولى إدارة المرحلة الانتقالية، تكثر المشاريع الطامحة إلى مثل هذه الولاية. وهذا في ذاته مشروع، لكن عندما يعتبر صاحب أي من هذه المشاريع أنه وحده الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة، ويعلن حكومته أو هيئته الانتقالية، يصبح التساؤل مشروعاً عن مدى إفادة برنامج تغيير النظام من مثل هذه التوجهات.
ويبقى أن القوى الفعلية للتغيير هي تلك العاملة على الأرض، سواء عبر المقاومة المسلحة أو التحرك السياسي والميداني أو العمل الإنساني والإغاثي. أما الذين يفترضون أن البرامج الحوارية والطلات التلفزيونية تؤمن لهم النفوذ السياسي، فإنهم يخلطون بين حاجة الفضائيات لتعبئة الوقت وبين برنامج التغيير لنظام أظهر تصميماً لا لبس فيه على استخدام كل قوته العسكرية من اجل البقاء.
الحياة