علي العبدالله *
بين الاتفاق الأميركي الروسي على عقد مؤتمر دولي حول سورية، والسجال السياسي الساخن بين الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية حول صيغة المؤتمر وتوقيته ومدته، الحضور، وجدول الأعمال، والنتيجة المنشودة… إلخ، مسافة تثير أسئلة حول أهداف الأطراف ومصالحها وانعكاسها على فرص عقد المؤتمر ونجاحه.
غير أن الاتفاق لا يعني أن الأزمة أخذت طريقها إلى حل قريب، لاعتبارات تتعلق بمصالح الأطراف وأهدافها، فروسيا التي تدعم النظام سياسياً وعسكرياً، كي تضمن استمراره ريثما تنجز صفقتها مع أميركا حول الدرع الصاروخية وآسيا الوسطى وجورجيا والملف النووي الإيراني وحصتها في سورية ما بعد الأسد، تريد للمؤتمر أن ينعقد بشروط مسبقة، وهي التي حاربت شروط الثورة بذريعة رفض الشروط المسبقة لأنها تجهض العملية، كبقاء الدفاع والداخلية خارج تركيبة الحكومة الانتقالية، وترك الإشراف على الجيش والأمن لرئيس النظام، وابتداع صفة «رئيس حرب» لتبرير استمرار إشرافه عليهما، والتلميح إلى حق رأس النظام بالترشح للانتخابات عام 2014، والتدخل في تشكيل وفد المعارضة بالمطالبة بإعطاء هيئة التنسيق نصف اعضاء وفد المعارضة، بحيث يستجيب لرؤيتها للمؤتمر وأهدافه ونتائجه، والتصويت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دان النظام ورحب بالائتلاف الوطني السوري كمحاور عن الثورة، واعتبار موسكو أن من حق النظام طلب مساعدة حزب الله، ومتابعتها الهجوم على المعارضة وكيل الاتهامات لها.
وقد دعمت مطالبها بإجراءات عسكرية لتغيير قواعد اللعبة: إنفاذ صفقات أسلحة للنظام (أس 300 المضادة للطائرات والصواريخ، ونموذج متطور من صواريخ ارض بحر من طراز ياخونت) ونشر 12 قطعة بحرية قبالة السواحل السورية، والتحذير من القيام بتحركات تهز استقرار المنطقة.
إيران، التي تستعد لإجراء انتخابات رئاسية، صعدت من مشاركتها المباشرة وزجت بقوة كبيرة من حزب الله وعصائب أهل الحق ومتطوعين شيعة لكسر التوازن العسكري وترجيح كفة النظام، واتفقت مع النظام على ضرورة مواجهة أي اعتداء جديد من إسرائيل، وفتح جبهة الجولان، كما وجهت تحذيرات للأردن وقطر، وسعت إلى التفاهم مع السعودية على أمن واستقرار المنطقة، وعرضت على مصر مساعدتها في استعادة دورها العربي، ودعت إلى عقد مؤتمر لأصدقاء النظام في طهران في 29 الجاري، في سعي منها إلى تغيير الواقع الميداني والسياسي في سورية للتأثير في نتائج القمة الأميركية-الروسية الشهر المقبل، لاعتقادها أنها «سترسم وجه العالم الجديد».
لقد عززتا قدرات النظام العسكرية لتحقـــيق وقائع لفرض شروطه ومطالبه، مع انهما تدركـــان أنه لن يكون قادراً على إنجاز تغيير استراتيجي بالحسم على الأرض.
أميركا بدورها جددت الحديث عن استخـــدام النظام للأسلحة الكيماوية، وقتله آلاف المواطنين وتدميره أحياء وبلدات وقرى باستخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات والصواريخ، وأعادت فتح ملف مصير رأسه في ضوء مسؤوليته عن ذلك، ورفضت أن يكون جزءاً من سورية الجديدة، وأرسلت سفيرها إلى إسطنبول والأراضي المحررة، في محاولة لطمأنة المعارضة على ثبات موقفها من النظام، وأصدرت قائمة عقوبات جديدة ضد عدد من أزلامه وشركاته، وانتقدت صفقة الأسلحة الروسية، وألمحت إلى اتخاذ إجراءات ضد النظام إذا لم يوافق على مرحلة انتقالية، وصوتت إلى جانب قرار الجمعية العامة المذكور، كما أرسلت مدير مخابراتها إلى إسرائيل وجددت تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها، في انتظار تلقي أجوبة روسية عن الأسئلة التي طرحها عليها اوباما في رسالته إلى بوتين، وإنجاز صفقة بين الطرفين حول قضايا الخلاف.
حلفاء واشنطن الأوروبيون تجاوبوا مع الدعوة، لأنها تخفف عنهم الضغوط وتسمح لهم بتأجيل البت في قضية تسليح المعارضة التي ما زالت قضية خلافية داخل الاتحاد الأوروبي، لكن مع طرح مواقف مشككة بالمؤتمر، في ضوء عدم الاتفاق على أهدافه وعلى طبيعة «التنازلات» التي ستقدمها روسيا والدعوة الى اجتماع للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في باريس، بذريعة التحضير للمؤتمر، كي تضمن حصتها في الاتفاق الأميركي الروسي القادم، والتحفظ عن مشاركة إيران في المؤتمر الدولي، وإلى عقد اجتماع لأصدقاء الشعب السوري في عمان.
في المقابل، عقد وزراء خارجية السعودية والأردن وقطر وتركيا والإمارات ومصر اجتماعاً طارئاً في أبو ظبي، وأصدروا بياناً أكدوا فيه أن لا مكان للأسد ونظامه في أي تسوية سلمية في سورية، وحمّلوا النظام مسؤولية التفجير في بلدة الريحانية التركية، واستخدام أسلحة كيماوية، والمسؤولية عن القتل وعن تشريد نحو مليون ونصف مليون سوري في دول الجوار، في رسالة إلى أميركا وروسيا مفادها: لا تستطيعان تجاهلنا وفرض إرادتكما في الإقليم.
إسرائيل، التي تخشى من تحول في الجغرافيا السياسية عبر تحويل سورية إلى قاعدة إيرانية بدعم روسي وموافقة أميركية، صعدت من لهجتها تجاه عملية التسليح وهددت، بعد أن فشل نتانياهو في إقناع بوتين بوقف الصفقة، بقصف الصواريخ داخل سورية.
المعـــارضــــة السورية، ممثلة في الائتـلاف الوطــــني لقوى الثورة والمعارضة، دخــــلت في ارتباك، نتيجة عدم التحضير لمثل هذه اللحظة بسبب غياب عمل مخطط مبني على التوقع ووضع خطط وبدائل، تجسد في مواقف متباينة ومتناقضة، من رفض الاشتراك إلى رفض المشاركة في وفد موحد مع هيئة التنسيق إلى المطالبة بتغيير التوازن العسكري قبل المؤتمر، مع أنها تعلم أن واشنطن ضغطت على السعودية وقطر وتركيا لوقف شحنات الأسلحة حتى تضع الثوار بين خيارين: القبول بحل وسط مع النظام أو مواجهة هزيمة عسكرية، قبل أن يعود للحديث عن المشاركة بشروط.
حقق الاتفاق على الدعوة إلى عقد المؤتمر مصلحة أميركية روسية مشتركة: التحـــرر من الحرج الأخلاقي بسبب استمرار عمليات القتل والتدمير التي يقوم بها النظام بسلاح روسي ورضوخ أميركي، وتسويق حل يمنع وقوع سورية في أيدي حركــــات إسلامية سنية متطرفة عبر التفاهم علـــى حل وسط يبقي بعض النظام ويحقق جــزءاً من مطالب المعارضة المعتدلة (رحيل الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية)، حل يحفظ لروسيا ماء وجهها بإخراج الأسد من السلطة بشروطها ويبرر لواشنطن عدم انخراطها في عمل عسكري في سورية.
لكن التباين الكبير في زوايا النظر وفي الحسابات والأهداف يضع علامات استفهام كبيرة حول فرص نجاح المؤتمر في التوصل إلى حل متفق عليه خاصة وأنه سيعقد في ظل تصعيد في المواجهة والقتل والتدمير، وارتباط نتائجه بالصفقة الأميركية الروسية المنتظرة.
* كاتب سوري.
الحياة
