سورية: الديمقراطية قبل الممانعة
فيصل الخطاب
لم يعد هناك شك أن النظام البائد في سورية يجعل من الممانعة حجته التي لا ثاني لها للدفاع عن نفسه وتبرير تسلطه الديكتاتوري وسبله القمعية اللاإنسانية وقتل أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر أعزل، واعتقال أكثر من أربعين ألف مواطن.
لقد جعل نظام بشار الأسد من الممانعة شماعته التي يعلق عليها كل جرائمه بحق شعبه وبحق الفلسطينيين وبحق اللبنانيين. ودرج منذ البداية على تخوين كل من يعارض هذا النظام واتهامه بالعمالة للعدو الصهيوني أو الولايات المتحدة، وحتى توريط كل من يجرؤ ليتحدى عنصر أمن يدوس على كرامة الناس فيتجاوز دور فرن الخبز بكل وقاحة أو يعاكس ابنة إحدى العائلات. وقد تدنت هذه اللعبة القذرة لتطال حتى أطفال المدارس، فمنذ نعومة أظفارنا كان يكفي أن يقصر أحد منا في دراسته ليتهم بالعمالة للصهيونية وبخيانة الوطن وبشتى النعوت التي لم ينزل الله بها من سلطان. ومازال حاضراً بذاكرتي مدير مدرستنا وهو يتوجه إلينا بلفظ :’عملاء الصهيونية’، ‘عملاء الاستعمار’… ونحن نضحك ملياً ونسخر من تربية انكشارية كهذه لا تناسب روح القرن العشرين، فكيف بها الآن في القرن الحادي والعشرين.
قبل أن ندخل في هذا القرن المجيد، قرن الفيسبوك والحريات، لنرجع قليلاً إلى القرن السابع الميلادي، وننظر إلى بديهية الحرية والديمقراطية قبل الممانعة، وفي التاريخ لنا عبر. ففي سيرة عنترة بن شداد حكمة لا بد أن ننشرها ونوصلها كرسالة إلى كل الأمم : العبد لا يذود عن حياضه، والعبد لا يدافع عن قبيلته، والعبد الذليل عندما يتحرر فإنه يتكشف عن مارد قادر على فعل المعجزات. هذا في القرن السابع، فكيف بنا في الألفية الثالثة؟ ألم يحن الوقت لنتحرر من عبوديتنا الحالية؟ ألا نستحق الحرية والديمقراطية؟ هل سنصمد أكثر من بضع ساعات في وجه جيش أجنبي إن لم نكن أحراراً؟ أوليس في عبرة العراق، وانهيار جيشه العرمرم العقائدي الممانع عبرة لنا؟ أوليس في رمي جنوده السلاح وعدم مقاتلتهم الأمريكان بسبب عدم اقتناعهم بنظام صدام حسين القمعي درس ليس ببعيد؟ أولن نتحول إلى مردة وأبطال إن أعطينا حريتنا، وأحسسنا أن من يحكمنا منا ونحن منه، ولسنا قطيعاً في حظيرته أو عبيداً في مزرعته؟
ما الذي أوصل فتوحات العرب إلى أصقاع الأرض غير فلسفة ‘متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟’ ونمط هذه الفلسفة التي تصون للإنسان كرامته وتعطيه قيمته التي يستحقها؟
عن أي ممانعة تتحدثون ونحن لا نملك أن نمنع شبيحتكم عن منازلنا؟ عن أي ممانعة تتحدثون ونحن لا نملك أن نمنع أولاد المسؤولين عن بناتنا؟ عن أي ممانعة تتحدثون وشبابنا لا يؤمن بكم ولا بشرعيتكم؟
لماذا ولد خلال القرون الماضية في الشعوب الأخرى مبدعون مثل دافنشي ونيوتن وأينشتاين ومونتغومري ولم يولد أي مثيل لهم في بلادنا العربية؟ من قتلهم في بلادنا أطفالاً؟ أو من حرمهم من العلم شباباً؟ كيف سيرسم ويبدع دافنشي إن كان مجبراً على رسم صورة الرئيس كل مرة؟ وكيف سيخرج نيوتن من عنق الزجاجة ويفكر بسبب سقوط التفاحة إن حولناه إلى أستاذ جامعة بائس، يعطي الدروس الخصوصية مساءاً كي يعيل أولاده؟ أم كيف وكيف؟
من قتل كل هؤلاء عبر العقود؟ من منعهم من حريتهم وكرامتهم؟
وعن أي ممانعة يتحدث النظام السوري في النهاية؟ عن آلاف الشهداء في لبنان وفلسطين دون ثمن؟ أم عن ضرب المفاعل الذري السوري؟ الثورة ستعطي قيمة للإنسان السوري والعربي، والثورة ستكون هي الممانعة الحقيقية لا تمثيلية رديئة يلعبها بشار وحلفاؤه التقليديون. ممانعة الثورة ستضم الجميع سوريين ولبنانيين وفلسطينيين ومصريين وكل العرب وبكل طوائفهم.
الثورة ستــــعطي حق المقـــاومة وحق الحرية والكرامة للجميع. ولن تقبل بعد اليوم أن يمس ظفر طفل فلسطيني أو عربي كما لم تقبل منذ البداية أن يمس ظفر طفل في درعا.
لقد جربنا الممانعة الزائفة لخميسن عاماً، فسقط الجولان، وقصف الفلسطينيون في غزة وتل الزعتر ومخيم الرمل. أما اليوم، فاتركوا الشعب السوري الحر المؤمن بقضية فلسطين وقضايا العرب والإنسان يمارس الممانعة الحقيقية ويؤدي دوره الذي حرم منه في كتابة تاريخه وتاريخ الشرق الأوسط والعالم ككل. وأطلقوا المارد السوري من القمقم الذي سجن فيه عبر عقود.