صفحات الناس

سورية: السيجار الثوري برأس النسر وعباءة أوغاريت/ سالم الأخرس

 

سيحمل السيجار السوري الذي يتم إنتاجه من قبل المؤسسة العامة للتبغ والتنباك السورية، شعار (لوغو) رأس النسر وأوراق التبغ، وسيقدم بعبوات خشبية مرمزة بأبجدية أوغاريت.

إنتاج هذا النوع الجديد، وقد أصبحت مستلزمات إنتاجه جاهزة، يعدّ نقل نوعية في مضمار الصناعة السورية المحتكرة من قبل الدولة.

الاحتكار الذي هو أحد التقاليد التجارية العريقة في الزراعة السورية التي ثبّتها الانتداب الفرنسي أثناء سيطرته على البلاد. حيث كان احتكار الدخان والحرير وإصدار العملة وغيرها من السلع التي خضعت لنظام الامتيازات الفرنسية وقد سمّيت (الريجي) استمراراً لتقليد أقدم نشأ مع أزمة الديون العثمانية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، عندما عجزت الدولة العثمانية عن سداد القروض وفوائدها للمؤسسات المالية الإنكليزية والفرنسية، لذا تمّ إيجاد مؤسسة (ديوان الديون العام) بإشراف بريطاني فرنسي مهمتها مراقبة حركة الأموال والمنتجات الزراعية والضرائب كي تقتطع حصتها من (رأس مليان) نسبة محددة لصالح البيوتات المالية التي أقرضت الدولة العثمانية آنذاك. وكان التبغ إحدى السلع الخاضعة لإشراف ديوان الدين العام. ثم تابعت الدولة الوطنية الحديثة هذا التقليد بالإبقاء على التبغ تحت بند الاحتكار. واتبعته لاحقاً باحتكار استيراد الدخان والسجائر من الخارج.

ولمّا كانت أنواع السجائر كثيرة ومصادرها متنوعة، نشأ سوقٌ موازٍ لاحتكار الدخان لا يخضع لقوانين الدولة الضريبية، بل يتبع لقوانين النفوذ داخل دائرة السلطة ورجالاتها. بحيث أصبحت إحدى قنوات تكوين (الثروات) اللازمة لتشكيل الأذرع شبه العسكرية في العديد من المناطق السورية والساحلية بشكل خاص، لتكون هذه القناة حاضنة لنمو وتطور قناة تجارة المخدرات التي راحت تزدهر وتتطور منذ سبعينيات القرن العشرين.

وهي الحاضنة التي ترعرع فيها العديد من الشخصيات المالية (المئة) التي سيطرت على المشهد المالي السوري وأبرزها رفعت الأسد ومحمد مخلوف والد رامي مخلوف.

كما تتميّز هذه القناة أنّها من أهم أتوسترادات الصعود السريع لأصحاب الثروة والنفوذ الذين ينالون الثقة والرعاية داخل شبكة السلطة.

ولمّا كان أوتوستراد الصعود السريع يُشجع على المغامرة ويُنتج مغامرين كان لابدّ للدولة أن تتدخل في مراقبة هذا الأوتوستراد، وتمنع دخول (مغامرين) من خارج شبكة الثقة والرعاية، وبهذا يتحقق أكثر من هدف، وتصيد أكثر من عصفور. فالطابطة (الريجي) تؤكد وجود الدولة، وعبرها تؤمن فرص عمل لفقراء من المحظوظين، وفرص (الثروة) لبعض زبائن السلطة الصغار.

وبالتالي، تؤمن مصدر دخل جديد للخزانة العامة، كما هي فرصة أخرى لنشوء صناديق خاصة لبعض زبائن السلطة الكبار. هناك حكمة متداولة داخل الريجي مفادها: “المهربون غير المُرضى عنهم هم أمناء صندوق للدولة، بخبطة واحدة يدفعون كل ما جمعوه”.أما المُرضى عنهم يتحولون إلى رجال مال وأعمال وسلطان، إلاّ أنّهم يبقون تحت سيف السؤال حالما تسقط عنهم الثقة ويُرفع غطاء الرعاية.

على ضوء هذه التقاليد العريقة لسياسة الاحتكار للعديد من السلع والزراعات، يمكن أن نقرأ مسوغات إنتاج السيجار السوري الآن، بأنّ هناك رجالاً أو رجلاً ممن لا زالوا ينعمون بالثقة والرعاية، قد اشترى معملاً قديماً لصناعة السيجار بسعر “مغر”، وبذل بعض النفقات على إعادة تأهيله لتقديمه على أنه معمل حديث ومتطور، مشفوعاً بهدايا وعمولات تضمن شهادة أنّه المعمل المناسب لإنتاج السيجار الوطني، خصوصاً بعد أن اشتهر ورق التبغ فرجينيا السوري بنكهته وجودته.

الإعلان عن إنتاج السيجار يؤدي العديد من الرسائل والمهام، وأهمها أنّ مرحلة إعادة البناء قد بدأت على أرض الواقع، وسورية بخير والله حاميها، بدلالة إنتاج سيجار سوري ممهوراً برأس “النسر السوري” ومغلفاً بأبجدية “أوغاريت” برمزيتها التاريخية والجغرافية. إذ أنّ إعادة البناء تبدأ بإنتاج السلع ذات الدلالة التفاخرية في عالم الثروة والنفوذ والوجاهة، لا سيما وقد زادت أعداد (الهررة المرقطة) في أوساط أمراء الحرب السوريين الذين لا يتنكرون لأصولهم الثورية ومتمماتها عبر إنتاجهم السيجار السوري – الكوبي الثوري. وليحيا غيفارا.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى