صفحات سورية

سورية: الشعب اليتيم ضحية الفيتو الإسرائيلي ومحور موسكو ـ طهران


فهد المصري

ومر أكثر من عام على الثورة السورية، ثورة شعب يقودها الشباب، ثورة لا تقارن إلا بالثورة الفرنسية، ثورة مخضبة بالكثير من الدماء، مليئة بالآلام، بالتضحيات،بالمعاناة. ثورة ستدرس في كتب التاريخ وسيكتب عنها آلاف القصص، وسيرويها هذا الجيل وتتناقلها أجيال كثيرة قادمة، ثورة شعب أعزل ليس فقط في مواجهة عصابة حاكمة تمثل منبعاً للجريمة، بل في مواجهة محور مارق سوري ـ إيراني ـ روسي، مدعم بتخاذل عربي ـ دولي.

ليس غريباً أن تدافع النظم الديكتاتورية والشمولية عن بعضها الآخر وتشد من إزرها، ومن دون أدنى شك أن الموقف الانتهازي واللاأخلاقي واللاإنساني للقادة الروس والصينين لعب دوراً في إطالة عمر الأزمة، وفي حشر الهيئة الأممية في خانة اليك وجعلها عاجزة عن استخدام حق النقض لهذه الدولة أو تلك في مجلس الأمن، وأن القانون الدولي ثمنه قشرة بصلة عفنة عندما يعجز عن فرض ذاته وحمايته لشعب يقتل.

المؤكد أن ماهو أقوى من فيتو روسيا والصين، والذي وقف عقبة أساسية أمام سقوط الأسد وحكمه بل وحمايته هو الفيتو الإسرائيلي، فالنظام الحاكم في سورية، جار لإسرائيل وسورية ليست دولة نفطية.

الفيتو الإسرائيلي

رغم أن إسرائيل ليست دولة عضواً في مجلس الأمن الدولي، إلا أن قوة اللوبي الإسرائيلي حتى داخل قصر الكرملين، قوة مهيمنة وفاعلة على مراكز صناعة القرار الدولي السياسي والاقتصادي والسلاح الإعلامي، وقرار اسقاط الاسد وحكمه موجود في تل أبيب.

إسرائيل تدافع عن حكم الأسد لأنها لن تجد أفضل منه، كحام لحمى حدودها الشمالية وليس الجبهة معها، حتى الولايات المتحدة الأمريكية تتمنى لو أن حدودها مع المكسيك، بمدى الأمن والهدوء والاستقرار والانضباط الذي تعيشه الحدود ‘جبهة الجولان’ بين إسرائيل وسورية منذ 1974.

إسرائيل تفضل ألف مرة بقاء الأسد مهلهلًا، ضعيفا، يفك تحالفه مع طهران، ويمنع إيواء بعض المنظمات الفلسطينية، ويعدل من سلوكياته (كما كانت تطالب كوندليزا رايس) على أن يكون البديل مجهولاً.

إسرائيل والتي وافقت، و سمحت، وتركت الأسد يرسل دباباته، وجحافل من قواته إلى الجنوب السوري، للقيام بمجازر في حوران في مناطق ممنوع عليه أصلاً إرسال الدبابات والمدرعات إليها على مقربة من حدودها، منحته أكثر من فرصة لينقذ نفسه ونظامه، بل وضغطت على العالم ليغض الطرف عن مجازره وجرائمه، وحتى أنها تركته وغضت الطرف عنه، ليرسل العشرات من الشبان للشريط الحدودي معها، لعل وعسى أن تنفع مجدداً وتنطلي الأكذوبة الكبرى في المقاومة والممانعة.

علينا أن نقرأ جيداً مايقوله الإسرائيليون حول المساعدات الإنسانية وترحيبهم باللاجئين من لون معين في الجولان، وأن نتابع خط سير العمليات العسكرية الوحشية في حمص وريفها، ومناطق حماة وإدلب، وأن نبحث في أسباب إرسال كامل السلاح والعتاد العسكري الاستراتيجي الذي يمتلكه الجيش إلى مناطق الساحل السوري، في الوقت الذي بدأ فيه الأسد ببناء جدار للفصل العنصري في مناطق محددة في مدينة حمص انطلقت عملية بنائه منط قرابة شهرين.

زواج متعة أم كاثوليكي؟

فيما كانت العلاقة الاستراتيجية بين طهران ـ دمشق في عهد الأسد الأب علاقة مبنية على التوازن، تحولت هذه العلاقة إلى تبعية في فترة الأسد الابن، ترسخت من أوائل 2003 وحتى الآن، وحققت الأجهزة الأمنية الإيرانية اختراقات كبيرة للقيادات الأمنية والعسكرية السورية، وبسطت إيران نفوذها على الساحة السورية على كافة الصعد، وحتى أن مشروعها لبناء ‘ضاحية جنوبية’ على طرف دمشق الأموية في منطقة السيدة زينب نجح، وقطع أشواطاً في بناء وافتتاح الحوزات والحسينيات، واستقطاب المريدين، لتتحول في مرحلة لاحقة نواة لتأسيس ميليشيا عسكرية، على شاكلة ميليشيا حزب الله في لبنان، وجيش المهدي في العراق.

العلاقة بين طهران ودمشق أصبحت علاقة عضوية، ولا يمكن للأسد أن يتخلى عن طهران، حتى أنه لا يستطيع مجرد التفكير في ذلك، وطهران التي يسرح ويمرح مستشاروها السياسيون والأمنيون والعسكريون في ردهات القصر الجمهوري السوري، والقطع العسكرية في ضواحي دمشق، لن تتخلى عنه، لأن سقوطه يعني بالنسبة لها سقوط مشروعها في الشرق الأوسط، والخليج العربي فكسر نظام حكم الأسد، سيكسر حكم طهران، وربيع إيران على الأبواب.

سقوط الأسد يعني لإيران انحسار ثم تلاشي دور حزب الله في لبنان، ويعني تراجع وانحسار نفوذها في العراق، وتبدد دور الميليشيات الشيعية هناك، ويعني ضياع الورقة الفلسطينية، وتلاشي دور الخلايا الإيرانية النائمة في الخليج العربي.

سورية تعني لإيران نافذتها، وجبهتها المتقدمة على شواطئ المتوسط، وحليفتها على حدود إسرائيل، التي تتنافس معها على النفوذ في المنطقة.

إيران ستدافع عن الأسد وحكمه حتى الرمق الأخير، وقدمت وستقدم له كل أنواع الدعم، واستخدمت وستستخدم كل أدواتها في المنطقة لمساعدته (حزب الله ـ جيش المهدي ـ الخلايا النائمة ـ الخ…) لكن إيران لن تدخل حرباً مباشرة لحماية الأسد من السقوط، فإيران لا تحارب خارج حدودها الوطنية الحالية(رغم كل التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون وارتباطهم باتفاق دفاع مشترك).

القيصر يحكم من جديد

ونجح بوتن في تمرير رغبته في العودة إلى سدة الكرملين، لكنه لم يتمكن من إخماد النار تحت رماد الربيع الروسي الذي سينتفض دون ريب، وهذا أحد الأسباب في دفاع موسكو المستميت عن الأسد وحكمه، فالخوف من انتقال عدوى الربيع العربي إلى موسكو، ودول الاتحاد السوفيتي السابق، تسبب أرقاً مزمناً للقادة الروس، إلى جانب أن الحلف والمصالح الروسية ـ الإيرانية في المنطقة تقتضي الدفاع عن الأسد وحكمه، ولأن إيران تشكل لروسيا نافذتها على المياه الدافئة في الخليج العربي، كما أن المصالح الحيوية لروسيا في آسيا الوسطى والشرق الأوسط تقتضي الحفاظ على الأسد الذي يشكل لموسكو آخر حلفائها على ضفاف المتوسط، فسورية موطئ قدم روسيا الأخير في العالم العربي

روسيا التي تعمل على منع مرور مشروع أنبوب الغاز القطري عبر سورية إلى أوربا، نجحت في إذكاء نيران الحرب الباردة من جديد، لتعود من البـــوابة السورية وعلى حساب دم الشعب السوري، إلى لاعب في إطار التوازنات الدولية، ولتطلق العنان لكل أشكال الانتهازية، للمقايضة على بعض التنازلات، مقابل عقود تجارية واقتصادية مهمة، ولتعمل على خلع شبح الدرع الصاروخية المنتشرة في البلقان، ومناطق متفرقة من فضائها الاستراتيجي .

واهم من يتصور من أطياف المعارضة السورية أن روسيا ستتخلى عن الأسد دون صيد استراتيجي كبير وثمين، وواهم من يتصور أن موسكو يرف جفنها لمشاهد القتل والتدمير، والمجازر التي يرتكبها الأسد، وقواته بالسلاح والذخيرة الروسية، فموسكو التي ارتكبت مجازر في الشيشان وغيرها، لا تختلف بنية نظامها كثيراً عن بنية نظام الأسد الذي سيسقط سقوطاً مدوياً وسريعاً، مع البدء بالتدخل الدولي.

الشعب السوري الذي سيخلع، ويقتلع الأسد اقتلاعاً، سيشكل انتصاره دفعاً لانتصار الشعب الروسي في خلع واقتلاع القيصر.

إلى متى وكيف ؟

لا شيء يبرر التردد والصمت العربي والإسلامي والدولي حيال مايجري من مجــــازر ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في سورية وعجز هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العـــربية عن اتخاذ قرارات شجاعة لانقاذ سورية وشعبها (على عكس ما فعلت مع الشعب الليبي) بل وإنقاذ منطــــقة الشرق الأوسط برمتها، يؤكد أن لا قيمة للمنظمتين الإقليمة والدولية أمام تصادم المصالح الإقلمية والدولية عند الزاوية السورية، التي وقع فيها ضمير العالم في موت سريري أوغيبوبة طويلة الأمد.

لولا موقف المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، لما تحرك الموقف العربي، ولولا الموقف الفرنسي، لما تحرك الموقف الأوربي والغربي .

السوريون يعولون على تفعيل المواقف، ويتطلعون أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة، بالضغط الكافي على الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا،من أجل تشكيل ائتلاف عسكري دولي، خارج مجلس الأمن الدولي، للتدخل الفوري في سورية.

‘ كاتب واعلامي سوري مقيم في باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى