سورية: المؤامرة خطابا والمؤامرة فعلا
نور الله السيّد
لا يزال النظام السوري يتلذذ بحكايته عن المؤامرة وعن أعدائه الذين يقفون وراء المؤامرة وكأن العالم بكل استخباراته لا يعرف ما جرى وما يجري. والعالم، الذي لا يصدق روايته، بالنسبة له تالياً ليس سوى متآمر ومن ثم فالنظام يتعرض لمؤامرة كونية.
وهو على هذه الحال منذ أول يوم لاندفاعة السوريين مطالبين بالحرية وهو سيبقى على هذه الحال طالما أنه على قيد الحياة إذ من غير هذا لن يستطيع المناورة مع أي وسيط يحشر أنفه في الأزمة السورية ليضعه بذلك أمام العثرة الكبرى التي تحرج كل وساطة، فهو كما يقول: نحن مستعدون للحوار ولكن بشرط أن توقف الدول المتآمرة تآمرها على سورية، وهذا ما أبلغه الأسد للإبراهيمي مطالباً في لقائهما الأول. وها هو، لإعطاء مزيد من المصداقية لادعائه يوجه رسالة إلى مجلس الأمن يطالب فيها بمنع تركيا من دعم وتسليح الإرهابيين في سورية وينسى أن في تركيا وحدها حوالى مائة ألف لاجئ فروا من فتك النظام بداية ومن العنف الذي يهدد حياتهم في المناطق الملتهبة لاحقاً.
ومنذ اليوم الأول لم يطرح النظام أي حل سياسي وإنما قال بالمؤامرة مترافقة مع ‘ضرورة’ إجراء ‘إصلاحات’ تحقق رغبة المتظاهرين الأول ‘المحقة’، وعلى الأرض كان يمارس العنف سياسةً لقمع المتظاهرين آملاً السيطرة على البلاد والعباد من جديد ووأد الثورة، أما الأصلاحات فيكفي النظر في قانون الأحزاب والدستور الجديد وما نجم عنهما لنعرف قيمة إصلاحات الأسد. وانتهت السنة الأولى من الثورة وسورية على حال واحد: مظاهرات تتكرر كل جمعة تطالب بإسقاط النظام ونظام يقمع المظاهرات بالعنف على خلفية أن ما يحدث هو مؤامرة. ومع توجه الثورة نحو السلاح زاد عدد القتلى بأضعاف ما كان عليه الأمر في البداية وزاد تمسك النظام برواية المؤامرة وأصبحت الدول المتآمرة تزوّد المتآمرين بالسلاح والأموال، وزاد في مصداقية روايته ما تداولته وسائل الإعلام عن تزويد المعارضة المسلحة بالسلاح والأموال أو وسائل الاتصال أو تدريب المعارضة على قيادة سورية بعد الأسد، بالرغم من انكشاف زيف معظم هذه الإدعاءات.
وهذا التمسك بالمؤامرة لا يعني إلا الرفض الفعلي لأي حل أو تعطيل أي مقترح حل اتكاءً على مقولة المؤامرة، وسيتابع النظام غوايته، وليس بإمكانه الإتيان بقول آخر لا اليوم ولا مستقبلاً. والسبب بسيط للغاية، فقبول النظام بأي حل يحقق ولو جزئياً مطالب السوريين سيعني بالضرورة انتهاء النظام. والسؤال إذن ما هو المدخل للحل دون أن يُترك للنظام الرمي بطلبه العبثي؟ وفي الواقع ليس في الأفق أية إمكانية لإيقاف صبيانية النظام الازدرائية، فلا أحد من الفاعلين على الأرض يمكنه أن يقول قولاً حازماً لهذا النظام بأن عليه أن يتعامل مع الأزمة السورية بجدية تفسح المجال لأي حل راهناً. إذ لا المعارضة الداخلية، السلمية والمسلحة بقادرتين حتى الآن على حسم الأمور. ولا من جهة خارجية تريد جعل المعارضة المسلحة بقادرة على حسم الأمر عسكرياً مختبئة وراء أعذار منكشف زيفها، ولا أحد يريد التدخل فعلاً على نحو يجعل فيه النظام يعيد حساباته. ومن ثم فإن من يتعرض للمؤامرة فعلاً هو الشعب السوري، فالنظام لا يتوقف عن البطش به ودول العالم تستمر في النباح والنواح ليس إلا، وهذا يذكي رغبة النظام في المزيد من العنف، وهو ما أدركته أيضاً روسيا والصين وإيران منذ بداية الانتفاضة السورية وشاركت النظام أطروحته في المؤامرة وما من شيء يثنيها عن ذلك، بالرغم من أن ثنيها عن ذلك كان ممكناً دائماً لو أراد من بيده ذلك، ولكنه لا يريد، وتعرف روسيا والصين وإيران أنه لا يريد. ومن هنا عبثية مهمة الإبراهيمي والرباعية الإقليمية التي ستطالبها إيران بمطلب النظام نفسه. وسيتابع السوريون دفع فاتورة العبثية هذه إلى أن يُقدّر الله أمراً مفعولا.
وبالفعل، فها هو الأسد يؤكد لوزير الخارجية الإيرانية أن المعركة التي تدور حاليا تستهدف منظومة المقاومة بأكملها وليس سورية فقط وهذا توسيع لدائرة المؤامرة بحسب الرواية الأسدية بكل ما يستتبع ذلك من تدخل مباشر لإيران، وسيكون بالنسبة للأسد تدخلا مشروعا! ويؤكد له الآخر بعد الاجتماع الثلاثي/الرباعي في القاهرة، بحسب وكالة سانا، دعم بلاده غير المحدود للجهود التي تقوم بها الحكومة السورية لاستعادة الأمن والاستقرار بعد الإصلاحات الهامة التي أقرتها سابقا وتجاوبت من خلالها مع المطالب الشعبية التي ظهرت في بداية الأزمة، معيداً بذلك كل ما جرى في سورية منذ عام ونصف إلى نقطة البداية، وكأن على السوريين أن ينسوا الثمن الباهظ الذي دفعوه حتى الآن من جهة، ومن جهة أخرى مشروعية القتل ثمناً ‘للاستقرار’!! وكان وزير الخارجية الإيراني قد صرّح لدى وصوله إلى سورية بأن حل الأزمة ‘يكون فقط في سوريا وداخل الاسرة السورية، وكذلك بالمشاركة والتنسيق مع كافة المؤسسات الدولية والاقليمية’! أي يمكننا المراوحة في المكان ولا داع لاستعجال أي حل، إذ لا تزال الورقة السورية في الملعب الإيراني. وبإمكاننا أن ننسى لجنة المتابعة الرباعية التي بدأت خطوتها الأولى عرجاء على ثلاثة تأكيداً على الدور الإيراني. ويدرك السوريون كل هذا التآمر ويستشعرونه مرارة ورعباً ودماراً وموتاً.
‘ أستاذ جامعي سوري
القدس العربي