سورية المُفيدة/ هيفاء بيطار
درج، أخيراً، تعبير سورية المُفيدة، يستعمله النظام وكذلك المعارضة كل حسب نياته. وكلما ازداد الدمار والموت في البلاد، كثُر استخدام هذا التعبير (أو التسمية)، كما لو أن كل الفائدة في الموت والدمار واحتدام الصراع بين قوى عديدة، بعضها كان حليفاً مع بعضه، ثم أصبحوا خصوماً. وكلما قل احتمال الحل السياسي في سورية، أو أصبح مستحيلاً، ازداد تعبير سورية المفيدة. ويبدو هذا التعبير يُلاقي قبولاً عالمياً، وخصوصاً من المجتمع الدولي الذي يتفرّج بدم بارد على الجرائم المُروعة التي تحصل في داريّا حيث أفرغت تماماً من سكانها (أكثر من 250 ألفاً)، وفقدوا الأمل في العودة إلى بيوتهم لأن ثمة تغييراً ديمغرافياً يُراد لسورية. وقد حرّكت صورة الطفل عمران الضمير العالمي، وألهمت أقلام الصحفيين، وأبكت مذيعةً في “سي إن إن”. أما صور الدمار المروع لداريّا وموت الأطفال والنساء فلم يفعل شيئاً، سوى تقديم عدة برامج حوارية سخيفة، استفاض كل مُتحاور في التحدث عن مفهوم سورية المُفيدة. وأجمع المتحاورون على أن السيناريو الذي حصل في داريّا سوف يحصل مثيله في حي الوعر في حمص، فالغاية هي التغيير الديمغرافي في سورية، لتصبح شبيهةً بما حصل في لبنان، وما يحصل في العراق، أي يُقسم الوطن إلى مناطق يسيطر عليها الشيعة أو العلويون ومناطق يسيطر عليها السُنة.
أما المواطن السوري فلا يدخل في حساب أحد، لا النظام ولا المعارضة ولا الدول العظمى في الإجرام ولا المجتمع الدولي. وإذا كانت صور أطفال فيتنام القتلى والمحترقين بالقنابل المحرمة دولياً التي استعملتها أميركا في حرب فيتنام قد ساهمت في وقف الحرب الأميركية هناك، فإن كل الصور المروعة لداريا وصور حلب وريفها وحي الوعر ومناطق سورية عديدة ملتهبة لم تساهم بقيد أنملة في تحريك الضمير العالمي، ولا في جعل النظام والمعارضة يتفقان على أن لا حل في سورية سوى الحل السياسي.
الخسارة الأكبر في سورية هي خسارة الأمل والرغبة بالحياة لدى المواطن الأعزل، والعارف أن لا أحد يبالي به، بل هو أشبه بكبش المحرقة يقدّمه النظام والمعارضة معاً، على مذبح المصالح الدولية المرتبط بها النظام والمعارضة. ويجب ألّا نهمل الأمراض الخطيرة جداً، والغريبة التي بدأت تظهر في سورية، وخصوصاً الساحل السوري الذي يغص بأكثر من مليوني نازح (في اللاذقية وحدها)، وهذه الأمراض هي بسبب المواد المتفجرة والقنابل المحرمة دولياً التي أثرت على صحة المواطن السوري، بعد أكثر من ست سنوات من الثورة. ومن هذه الأمراض الخطيرة، والنادرة، ما يُصيب الجملة العصبية، وهو “غيلان باريه”، وقد انقرض في الدول المتقدمة، لكنه انتعش في سورية، وهو يسبب نوباتٍ من التلف الدماغي، تنتهي بالعجز والموت. ثمّة مرض آخر لم يُشخص بعد، وهو إصابة السوريين بارتفاع شديد في الحرارة، يتطلب الدخول إلى المشفى، من دون أن يُعرف الفيروس أو الجرثومة المسببة لهذه الحرارة التي يموت عديدون بسببها. لأن التلوث بلغ ذروته، ويأخذ في الازدياد، بفعل التفنن في استعمال الأسلحة بأنواعها، وخصوصاً المحرّمة دولياً، ما أدّى إلى انتعاش جراثيم مُنقرضة وفتاكة.
وليست منسية البرامج التلفزيونية الناجحة، والتي عرضت صور آلاف الأطفال العراقيين المشوهين والمصابين بكل أنواع السرطانات بسبب الأسلحة الكيماوية والشعاعية، ولم تهز صور الضمير العالمي، بل أفادت الإعلام في ربح الدولارات، بسبب البرامج الوثائقية عنهم. وهذا ما يحصل في سورية التي لا تهم العالم سوى في فبركة برامج عن الأزمة السورية، حتى أن كل سوري أصبح يردّد “الله أعلم ما الذي يحضرونه لنا”. والفعل المبني للمجهول معلوم بالنتيجة، فهو يعني النظام والمعارضة وكل القوى الداعمة لكليهما، والأهم الضمير العالمي.
الخسارة الأكبر أن يفقد المواطن السوري الأمل بالحل وبوطن آمن، وأن يصبح الحديث عن التقسيم وارداً في أحاديث السوريين جميعاً، وأن يقول السوري: لم نعد نبالي، هل انقطعت الكهرباء أم لم تنقطع، لأن عيشنا لا يشبه الحياة بشيء. هذه هي سورية المُفيدة، ولا أحد يخجل من استعمال هذه العبارة، القمة في الإهانة للشعب السوري، وفي الوقاحة.
العربي الجديد