سورية … الواقع المرير لللاجئين السوريين
ناصر الغزالي
يفر السوريون من مناطقهم ومنازلهم بسبب العنف الوحشي من قبل السلطة ورد الفعل العنيف من بعض أطراف المعارضة في سورية. إن معظم اللاجئين تركوا ديارهم بسبب هذا العنف والعنف المقابل والعمليات العسكرية ضد المدن والقرى السورية، وقد كانت المناطق الريفيه والمحافظات المنتفضة والمتواجد بها صراع مسلح الأكثر تعرضاً لخطر الاستهداف وقد هجرت مجتمعاتها بأعداد غفيره الى مناطق ومحافظات أخرى أكثر أماناً. وبينما سعى الكثيرون منهم الحصول على الأمان في الدول المجاوره.
عمل العنف المتصاعد وتضائل الخدمات الأساسية وفقدان سبل العيش والتضخم وعدم وضوح المستقبل على تثبيط عزيمة الكثير من السورين على التفكير بالعودة، ودفع عشرات الآلاف منهم الى النزوح داخل وخارج سورية.
واحد من كل عشرون سوريا إما أن يكون شخصاً نازحاً داخلياً أو شخصاً غادر سورية. إن هناك ما يقرب من نصف مليون نازح سوري داخلياً وما يقرب من 300 ألف سوري فر إلى الدول المجاوره إذ يقدر عدد اللاجئين السوريون 180 ألف في الأردن و70 ألف في تركيا و30 ألف في بيروت وعشرات الآلاف من السوريين في باقي الدول وذلك حسب مصادر تلك الدول.
إن غالبية السوريين قد غادروا سورية تحت ظروف جعلتهم في حاجة إلى الحماية الدولية، وتُعرف المفوضية للاجئين بأنهم الأشخاص الذين يقعون ضمن معيار اللاجئين وفقا لاتفاقية عام 1951 بالإضافة إلى الأشخاص الذين يقعون ضمن نطاق التعريف الموسع كأشخاص يهربون من صراع مسلح معمم أو اضطراب مدني.
إن أغلب الدول التي فر اليها السويون قدمت بعض الخدمات التي مازالت ناقصة ومحبطه في بعض الاحيان ويتم التعامل معهم على المستوى القانوني بطرق مختلفة فإن وجود السوريين في هذا الدول يرهق البنية التحتية الوطنية والأوضاع الاقتصادية والخدمات الأساسية لهذه الدول وخاصة المملكة الأردنية وفي بعض الحالات زاد من المخاوف الأمنية الوطنية، فهناك تقارير تفيد بوجود صعوبات متزايدة في كل من الاردن ولبنان في تقديم الرعاية الصحية والخدمات التعليمية العامة للسوريين، ومن ثم فقد بدأ الترحيب الحار الذي شملهم في بداية الازمة في التناقض وبدأت تزداد المخاوف العامة. وأدت الاعتبارات الأمنية إلى ازدياد التدقيق في الإقامة وتدني تقديم الخدمات لهؤلاء اللاجئين.
ويجد السوريون في الدول المجاورة أنه من الصعب بشكل متزايد إعالة أنفسهم ومن ثم تخطي الكثير منهم فترات وجودهم على المستوى الاقتصادي والقانوني في هذه الدول وأصبحوا في بعض هذه الدول مقيمين غير شرعيين، معرضين أنفسهم لخطر الاحتجاز أو الترحيل في مصر على سبيل المثال أو التوجيه لصالح تلك الفئة أو تلك في تركيا مثلا، ويواجه اللاجئون صعوبات في الخدمات الطبية. كما ان أطفالهم في المستقبل القريب ومع بداية السنة الدراسية إما غير قادرين على دخول المدارس أو أن المدارس نفسها مزدحمة للغاية بحيث لايمكنها قبول تلاميذ جدد، ربما تسمح بعض الدول للسوريين بالالتحاق في المدارس الخاصة ولكن معظم العائلات ليس بمقدورها القيام بذلك، إضافة للظروف القاهره لهؤلاء في عمليات السكن والصحة. إن توفير هذه القضايا يؤدي بالضرورة إلى توفير الاستقرار والعمل في المستقبل خلال وقت الأزمات، كما يقدم الحماية ضد الاستغلال وسوء المعاملة.
إن استمرار العمليات العسكرية من قبل النظام والقوى المسلحة المختلفة سوف يؤدي إلى إجبار الأشخاص والعائلات على النزوح إلى مناطق أكثر أمنا، وخاصة في المحافظات الأكثر تأثرا من هذا الصراع، ونتيجة لذلك، أصبحت المناطق المختلطة والمتجانسة سكانيا أكثر تأثيرا من غيرها مما أدى إلى ظهور في منطقة حمص وادلب وحماه بداية تشكيل تجمعات طائفية واختفاء الأحياء والقرى المختلطة بشكل نسبي.
وبالإضافة إلى العبء الذي يقع على البنية التحتية للخدمات الاجتماعية المحلية، فإن النازحين داخليا يعتبرون من وجهه نظر المجتمعات التي تستضيفهم يزيدون في إضافة الاعباء على تلك التجمعات بما يخص بعض المواد النادرة، ومن ثم زيادة الاسعار وانتشار السوق السوداء وهناك تحذير من تزايد التمييز الذي يمارس ضدهم منذ أن أصبحوا مسئولين عن زيادة معدلات العنف التي تقوم بها الحكومة السورية وبعض اطراف المعارضة من خلال المداهمات للبيوت والاعتقالات وهذا يؤدي بالضرورة الى التململ وزيادة القيود المفروضة على دخول النازحين أو منعهم من الحصول على أماكن للإيواء.
تمثل النساء والأطفال الكتلة الكبرى من النازحين إذ يشكلون مانسبته 80% من النازحين داخلياً، وهناك عدد ليس بقليل دون عائل لهم، وعائلات تقوم النساء برعايتهم، حيث يبقى الأزواج والآباء في أغلب الاحيان في مسقط رأسهم إما لحمايتها أو مشاركين في الاحتجاجات أو هم معتقلون أو تم تصفيتهم، إن هذه البيئة خصبة لحدوث نزاعات أو استخدام للشريحه الاضعف أي النساء والأطفال من بين النازحين، ويفتقر هؤلاء النازحين للدخل الثابت. ويملكون مدخرات محددة ولا يمكن تحمل أسعار الإيجارات المرتفعة أو تكاليف الحياة اليوميه. ويقوم بعض النازحين بالاستقرار مع أقاربهم والعائلات المضيفة أو في المباني العامة وأهمها المدارس الحكومية والتي سوف يواجه النازحين أزمة كبيرة أثناء افتتاح هذه المدارس .
إن بعض اللاجئين في الأردن وخاصة في مخيم الزعتري الذين هربوا من القتل ليواجهوا بيئة مميته من الحرارة الحارقة والعواصف الرملية المنتظمة. ويتم نقل المياه إلى المخيم باستخدام شاحنات كل يوم ولكن النسبة مقصورة على أقل من لتر واحد من المياه لكل شخص. واليوم لا يجد السويون الذين يهربون إلى الأردن مكاناً يذهبون اليه سوى مخيم الزعتري الذي يفتقر لأدنى مستويات البنية التحتية اللازمة للمعيشة.
يجب أن تكون مسألة حياة اللاجئين السورين الذين لم يعودوا بمأمن داخل سورية عنصرا أساسياً من عناصر الاستجابة الدولية لحمايتهم ومد يد العون لهم، إضافة الى مد العون للنازحين داخل سورية بكافة الوسائل والسبل حسب القانون الانساني.
تتمثل أهم العناصر الخاصة بحماية السورين الذين يصلون إلى الدول المجاورة كلاجئين فيما يلي:
1- الأمن
2- ضمان عدم ترحيلهم.
3- إتاحة المساعدات الانسانية لهم.
4- إتاحة المساعدات الإنسانية الى الشريحة الضعيفة بشكل خاص المرأة والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.
5- عدم معاقبتهم بتهمة الدخول غير الشرعي.
6- السماح لهم بالإقامة المؤقتة وفقاً لظروف معيشية مقبولة.
7- البحث عن حلول قوية، بما في ذلك من خلال إعادة التوطين، حتى يتاح لهم العودة الطوعية لوطنهم.
8- دعم مؤسسات المجتمع المدني لتنفيذ مشاريع خاصة تساعد اللاجئين والنازحين على حد سواء على تحمل مسؤولياتهم لإدارة أمورهم الخاصة.
إن عملية تعزيز التخطيط الجيد لتلبية احتياجات المساعدة وتحديد مواطن الحاجة للحماية، وتعمل عملية التسجيل بدرجة كبيرة على تسهيل الجهود التي تبذلها الدول المستضيفة لإدارة وجود اللاجئين على أراضيها بطريقة أفضل، كما أنه من الجيد تقديم وثائق عند التسجيل والتي تحميهم من الترحيل.
وهناك حاجة إلى وجود تحرك على المستوى السياسي بشكل عاجل لتحسين الوضع الإنساني وتحديد أسبابه الرئيسية. كما انه من المطلوب وجود منسقين في كل دولة مستضيفة لتحديد النهج الدولي متعدد الأوجه والذي:
1- يعزز احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
2- يعزز الجهود الرامية للحد من النزوح الإجباري للسكان وذلك عن طريق إضعاف وتقليل الأسباب التي تدفع الناس إلى الهروب من منازلهم: وتختص السلطات السورية والمجموعات المسلحة والمجتمع الدولي في استغلال كل فرصة لتقليل الأسباب التي تدفع السورين إلى ترك منازلهم.
3- ضمان حرية الحركة للبحث عن الأمان.
4- ضمان توفير الحماية وتقديم المساعدات المادية لمن تركوا سورية وذلك بالتوافق مع القانون الدولي الخاص باللاجئين، مع ادراك ان العودة الطوعية في حال ضمان الحماية والكرامة هي الخيار الافضل عندما يكون ذلك ممكنا.
5 – وضع حلول فورية للمشاكل الانسانية لأكثر المجموعات تضررا من اللاجئين.
6 – البدء في اتخاذ اجراءات لخلق الظروف، بما في ذلك بالنسبة لإعادة اصلاح الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المتضررة، وذلك من اجل السماح للاجئين بالعودة عندما يكون ذلك ممكنا، ويقدم حلول قوية لمن لايمكنهم العودة.
7 – دعم وصول المساعدات الانسانية للسكان المحتاجين بغض النظر عما اذا كان ذلك في مناطق الصراع او المناطق التي ليس بها صراع.
8 – ضمان عدم التمييز بالنسبة للحصول على خدمات الدولة مثل الخدمات الصحية ونسبة الغذاء والوقود والخدمات التعليمية للنازحين داخل سورية.
9 – الاعتراف بحق العودة الطوعية للوطن بشكل آمن او بالاستقرار الطوعي في مكان النزوح الحالي او في أي مكان اخر في سورية.
10 – توفير طريقة اكثر موضوعية للبت في طلبات اللجوء الخاصة بالسوريين في الدول الاجنبية.
11 – دعم وتقوية عمل المنظمات الانسانية لمواجهة الظروف الطارئة لمشاكل اللاجئين.
ان من الضروري التخطيط لتقديم جهود اغاثة عاجلة تستهدف السوريين المتضررين بما في ذلك من لم ينزحوا او يهجروا من سورية. وبالرغم من ان مسالة الامن تبقى هي العامل الرئيسي الذي يمنع تقديم المزيد من جهود الاغاثة الخاصة بالأمم المتحدة فانه حان الوقت للتركيز على ما يمكن القيام به وليس على ما لايستطيع المجتمع الدولي القيام به.
ان هذا يستلزم بالضرورة العمل على وضع تقرير مفصل عن واقع اللاجئين والنازحين على حد سواء من اجل وضع الاسس العلمية وترتيب الشرائح المستهدفة حسب اولويات الضرر والحاجة، اضافة الى رسم خطة وتوصيات واضحة المعالم لمواجهة اوضاع اللاجئين والنازحين السوريين.
نشرة على بساط الثلاثاء
الصورة المرفقة للفنان بشار العيسى