سورية تبشر بقانون الإرهاب
سامر عبد الله
حرص النظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات في منتصف الشهر الماضي آذار/مارس في درعا، ومن ثم انتشارها على كامل الأراضي السورية على نظرية المؤامرة، وامتداد خيوطها من الخارج إلى الداخل. وراح يسوق لها عبر وسائل الإعلام والمنابر الدينية، وأقرتها المستشارة الإعلامية، وبعدها الخطاب التاريخي أمام مجلس الشيوخ، وصولاً إلى الكلمة التوجيهية أمام موظفي مجلس الوزراء الجدد. وفي الوقت نفسه، كانت القوى الأمنية ذائعة الصيت تضرب الأرض طولاً وعرضاً لقمع المؤامرة بيد من حديد. ومن المعروف أن النظام لا يؤمن إلا بعناصره الأبية في التصدي لأي اعتداء يمس بالمصلحة العليا للوطن وأمنه واستقراره، لذلك قرر أن يستبعد أي وسائل إعلام مغرضة أو صحافة أو منظمات حقوقية وغيرها، من التي لديها أجندات خارجية، أو ممولة من جهات خارجية، وأخذ على عاتقه الحل في مواجهة ما يحدث، وترك للعالم خياراً وحيداً أن يتابع ما تبثه وسائل إعلامه، وما تصرح به أبواقه، وأصدر قراراً صارماً إلى كافة القوى الأمنية بحماية المحتجين وعدم إطلاق النار عليهم، والكثير من الكلام الجميل والمعسول الذي طالما عودونا عليه. ولكن هذا القرار جاء بعد أن أحبطت قوات الأمن والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الاسد، المؤامرة في درعا، ورفعت العلم السوري شامخا يرفرف بعد تحرير الأرض.
ولا ننسى ذلك اليوم الذي سبق رفع علم الانتصار، حيث أرسل الرئيس السوري وفداً لتهدئة أهالي درعا وتعزيتهم في مصابهم بعد سقوط شهداء، وأن التحقيق يجري على مستوى عال لمعرفة المتسببين في ما حدث ومحاسبتهم مهما علت رتبتهم، وعاد الوفد ومعه جعبة من المطالب ليضعها أمام الجهات السياسية العليا، وتنفس المعتصمون في الجامع العمري في درعا الصعداء، وأخذوا قسطاً من الراحة وصدقوا مكر النظام الذي كان يدبر أمراً في ليل. وما هي إلا ساعات حتى قامت قوات الأمن وشبيحة النظام باقتحام المسجد العمري في جنح الظلام تحت وابل من الرصاص الحي وفضت الاعتصام في المسجد بعد مجزرة راح ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح ليتم التحرير الثاني. ومن هنا بدأت القصة، وكان لا بد من استكمال مشروع المؤامرة، فكانت كاميرا التلفزيون السوري حاضرة لتنقل ما وقعت عليه أيدي قوات الأمن وشبيحة النظام البواسل.. أسلحة وذخائر وأموالا، الله أكبر انتصار جديد يحسب للنظام السوري ودرس لاسرائيل وأمريكا وإلى كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن. ولكن يبدو أن هناك هفوة سقطت من حساب من أحاك السيناريو، وهذا دليل على أن النظام لا يثق حتى بكتاب السيناريو السوريين الذين باتت شهرتهم على امتداد الوطن العربي، حيث قام النظام بعرض أموال وأسلحة روسية، وصناديق ذخيرة من صنع مؤسسة معامل الدفاع، وهذه لا يتسنى امتلاكها إلا للجيش وقوات الأمن السورية، ولكن سرعان ما تيقظ النظام لروايته التي لم يصدقها حتى من حاكها. وما هي إلا أيام حتى فاجأنا النظام بإلقاء القبض على بعض المندسين من الخارج الذين قدموا إلى سورية لأعمال التخريب مدفوعين من جهات خارجية تكن العداء لسورية ونظام الممانعة، وعرضوا على التلفزيون شابا مصريا يحمل الجنسية الأمريكية، أقر المسكين بأنه زار القدس مرتين وكلفته أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالتجسس على ما يحدث في سورية وإرسال الصور، لقاء حصوله على مبالغ مجزية، وبقدرة قادر بعد أيام تم الإفراج عنه، أيضاً يبدو أن النظام اكتشف أيضاً ان هذا السيناريو ضعيف. وما هي إلا أيام وسمعنا بالعصابات المسلحة التي تجوب شوارع المدن السورية، وتعتلي سطوح المباني وتقنص عناصر الجيش والأمن المساكين العزل، وكذلك تقنص وتقتل المحتجين المتسلحين بالايمان وهتاف الحرية، ولكن الأجهزة الأمنية بجبروتها لم تتمكن إلى الآن من تحديد هويتها، أو القبض عليها. وتكررت على هذا المنوال، يوماً بعد يوم تتكشف خيوط المؤامرة، وكان لا بد من سيناريو أقوى يتم طرحه على الرأي العام، فكان لا بد من إقحام شخصيات تكن العداء لسورية ونظامها العتيد، ولها القدرة على التمويل بالمال والعتاد، فوقع الخيار على الأمير بندر بن سلطان، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وراح الأخوان قنديل بالتسويق لهذا السيناريو عبر وسائل الإعلام اللبنانية الـ’إن بي إن’ و’المنار’، وقناة ‘العالم’ الإيرانية، وما هي إلا أيام حتى ظهر على وسائل الإعلام السورية شخص يتحدث عن خلية إرهابية تم تشكيلها ودعمها بالمال والسلاح من قبل النائب اللبناني عن كتلة المستقبل جمال الجراح والمقرب من سعد الحريري، وأظهر التلفزيون السوري هذه المرة أسلحة وذخائر تختلف عن عتاد الجيش والأمن في سورية، وفي الأمس القريب ظهر ان الجيش اللبناني القى القبض على مجموعة تخريبية في عكار تهرب أسلحة إلى سورية، وكذلك ألقت الجمارك على الحدود السورية العراقية القبض على سائق عراقي كان يخفي أسلحة مخبأة في ثلاجة متجهة إلى سورية إلى عناصر تخريبية، ولا ننسى في هذا المقام أن نذكر السقطة التي زلق بها السيد هيثم مناع رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، وهو يدافع عن أهالي بلدته، عندما قال ان أبناء درعا كانوا عزلا ويواجهون الرصاص بصدورهم، وأن هناك ثلاث جهات عرضت تقديم الأسلحة، ولكن أبناء بلده رفضوا وأرادوها سلمية إسوة بالثورات العربية.
وهذا كله والمزيد المزيد سيظهر في الأيام المقبلة عن إلقاء القبض على خلايا إرهابية، التي ستقوم بالقتل والتنكيل بأبناء الشعب السوري، لتكون كلها مقدمة للمولود الجديد قانون الإرهاب الذي سيجعل من الشعب السوري بكل أطيافه ومذاهبه يصلي صلاة الغائب على قانون الطوارئ، وسيأتي سيف القانون الجديد ليطال أعنــــاق الشــعب السوري قمعاً وتنكيلاً ومصادرة لكل حرية ورأي تحت ذريعة الإرهاب الذي تتعرض له البلاد والعباد، وسوف يتم تطهير البلاد على مبدأ والده الراحل في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
ولكن عذراً سيدي الرئيس ألم يكن الشعب السوري الذي طالما راهنت عليه هو من تصدى لكل المؤامرات التي حيكت ضد سورية على مدى عقود مضت؟ ألم يكن هو ذلك الشعب الذي وقف إلى جانب النظام في السراء والضراء بعد غزو العراق، واغتيال الحريري والاتهام لسورية؟ ألم يكن ذلك هو الشعب الذي تحمل الأمرين على مدى عقود تحت شعار الممانعة والصمود؟ أليس الشعار الذي حملته احتجاجاته (الحرية) هو ذلك الشعار الذي تعلمونه في مدارس حزبكم من المهد إلى اللحد؟ وإذا كان السلاح والإرهاب هو هدف المحتجين فلماذا المظاهرات والمطالب المحقة التي ستعرضهم للقتل؟ ألم يكن أحرى بالإخوة اليمنيين أن يستخدموا السلاح رغم أن قطع السلاح لدى الشعب اليمني تفوق أضعاف عدد السكان كثيراً؟ ألم يسأل النظام نفسه أن العالم الآن يرى ويسمع ولا يخفى عليه ما يتعرض له الشعب في سورية؟
ولكن على النظام في سورية أن يعلم أنه لا يمكنه المزاودة على وطنية وقومية وعروبة الشعب السوري، وليعلم أن القناع قد سقط، والثورة البيضاء ستنتصر، وقانون الإرهاب لم يعد يجدي نفعاً، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا، الإصلاح الذي يرضي الشعب أو الرحيل.
‘ كاتب سوري
القدس العربي