سورية.. جبروت نظام وأزمة معارضة
مسعود عكو
دخلت الثورة السورية شهرها الخامس، الثورة مستمرة، وكذلك القمع مستمر، الدم يسيل في كل شوارع الوطن، والضحايا يتحولون إلى أرقام ما عادت تحصى، النظام فتح كل الجبهات على الوطن والمواطن، وما عادت تفرق معه إن قتل عشرة، مائة، ألف، وحتى مليون سوري، همه فقط أن يبقى الأسد إلهاً يفتي البوطي وحسون في عبادته والصلاة على صوره، في حين يجبر طواغيت الأمن والمخابرات جعله رب السوريين في أقبية الذل والإجرام.
في الحقيقة ما عادت هناك كلمات في اللغة تساعدني وغيري أيضاً، ليوصف ما يجري في سورية، وينعت القائمين على حكم البلاد، فرعون، دكتاتور، ظالم، قاتل وكل شيء. النظام الذي يقتل شعبه ما تعريفه في قواميس الجان والبشر؟ وهل يظل اسمه نظام أم حكم؟ لا اعتقد أن هذه الكلمات تعطي وصفاً حقيقياً لثلة الإجرام والقتل في سورية.
في سورية يذبح الفنانون وتقلع حناجرهم، فقط لأنهم غنوا للثورة ونادوا برحيل القائد، في سورية يهان الإنسان ويداس على رأسه وكرامته إن طالب بالحرية –الهدف الثاني من أهداف حزب البعث- وفي سورية يلطم خطيب جامع على وجهه من قبل شبيحة القتل، وفي سورية تظهر أبواق على إعلام النفاق والكذب يحلفون الأيمان بأن مالك قناة الجزيرة –لوطي يلاط به- لا أعرف من أين جاء قائلها بهذه الحقيقة، لعله واحد منهم.
في سورية الأبواق الإعلامية ترد على مقتل العساكر والجنود في معرض السؤال عن مقتل المدنيين، وكأن أولئك الأبواق ناطقون باسم العسكر –على حد علمي هم مدنيون- ولا يكلون من تكرار روايات المجموعات الإرهابية والمسلحة في المناطق التي يزحف إليها الجيش السوري –ما عدا الجولان فهي خالية من الجماعات المسلحة- ويبررون القتل والاغتصاب، أليس لهؤلاء الأبواق أقارب قتلوا في هذه الأحداث أو اعتقلوا؟ ألهذه الدرجة هم منافقون وأفاقون مقلبون الكذب حقيقة والحقيقة كذباً؟
في الجانب الأخر، تتعارك المعارضة السورية –منذ الآن- على تقاسم السلطة والمقاعد الذهبية في الدولة المستقبلية التي سوف يقيمونها وهم جالسون في فنادق النجوم الخمسة، وغيرها ولم يشاركوا الشباب السوري الثورة والتظاهرات، يتنافسون على شغل منصب وزير أو مدير في اسطنبول وغيرها، ويقتل العشرات في حمص ودرعا وغيرها، وهم يتقاتلون على الترشح والانتخابات في قائمة وأخرى، يحاربون نظاماً وراثياً وهم للوراثة يجهزون منذ الآن، ويدوسون بأقدامهم أجساد شهدائنا ومن تحت أقدامهم تمر أنهار دماء السوريين في كل بقاع الوطن.
نقارع ظالماً والقادم أظلم، نقاتل نظاماً نافياً للأخر والقادم –إن استطاع أن يحكم- سيكون أكثر نفياً وقمعا وتسلطاً، فإن كان البعث رفض فكرة وجود الأقليات الأخرى غير العربية في سورية، فإن أغلب رموز المعارضة الحالية –ليس الكل بالطبع- لا فرق بين رؤاهم ورؤية البعث، فهم يرفعون علم الاستقلال ويريدون بسورية العودة إلى عهد الاستقلال، لكن لا يتقبلون فكرة التعددية التي كانت موجودة في عهد الاستقلال. يتغنون بالماضي ووحدة السوريين في تلك الأوقات، ولكن في الحاضر لا يريدونها كذلك، بل فقط يريدون ما تتناسب ورؤاهم وأفكارهم.
النظام نجح في فكفكة المعارضة السورية على مدى نصف قرن من حكمه، واستطاع أن يحول المعارضة –إن جاز وصفها بذلك- إلى مجموعات منغلقة ومغلقة على بعضها البعض، لا يستطع أي من أفرادها التوافق على أي شيء، فلا العربي قادر أن يتقبل الكردي، ولا الإسلامي قادر على تقبل العلماني واللاديني، وغيرها من التيارات. وإن كانت تلك المجموعات تدعي أنها متفقة اليوم على رحيل النظام، فإن قراءات أخرى لبعضها في مواقفها يثبت العكس فتشتم رائحة أجندات أخرى قد تباع دماء السوريين فيها وتشترى.
النظام اهتز عرشه، وكيانه، وبكل قوته وجبروته لم يستطع قمع المظاهرات، بل على العكس تتسع جغرافية الاحتجاج فتدخل بشكل يومي مناطق ومدن جديدة على خطى سابقاتها. والمجتمع الدولي فرغت جعبته من كلمات الشجب والإدانة الفارغة، فلا بترول يستحق أن تتخذ من أجله قرارات دولية والدم السوري رخيص جداً في نظرهم، وتتعارك المعارضة السورية في المؤتمرات، وكأن كل واحد منه معه صك موقع من قبل ثلاثة وعشرين مليون سوري يفوضه النقاش والتفاوض باسمه وعلى حقوقه، في تجاهل حقيقي وصريح للشباب السوري الثائر في كل شوارع سورية وساحاتها، ألا تبت أيدي القتل والمتاجرين بدماء السوريين في سبيل مصالح شخصية.
سورية سوف تتحرر والثورة ستنجح بكل تأكيد، إن طال الزمان أم قصر، وسوف تتحرر بدماء الشهداء وقوة الشباب وعنفوانهم الذي يقود الاحتجاجات، لا بتلك الاجتماعات التي لا تعبر عن روح الثورة ومفجريها. بل تعبر وفقط عن وجهة نظر من يدفع فواتير الفنادق وحجوزات الصالات التي تقام فيها، وسوف تنتصر إرادة شعبنا بكل تأكيد.