صفحات العالم

سورية دولة فاشلة؟


رأي القدس

عندما تفقد دولة ما السيطرة على حدودها ومعابرها فهذا يعني في القاموس السياسي انها اصبحت دولة فاشلة، وخير الامثلة في هذا الخصوص الصومال وافغانستان والعراق في ذروة تصاعد العمليات العسكرية ضد قوات الغزو الامريكي وحلفائها.

سورية خسرت معبرها الرئيسي (باب الهوى) الى تركيا، مثلما خسرت معبرين بريين آخرين على حدودها مع العراق، ومن غير المستبعد ان تخسر قريبا معبرها الرئيسي مع الاردن حيث تعرض لعدة هجمات من قبل قوات المعارضة المسلحة.

وكالة الصحافة الفرنسية بثت تقريرا لمراسلها ومصورها على الحدود التركية ـ السورية اكد فيه سيطرة مجموعة اسلامية متشددة من جنسيات غير سورية على معبر (باب الهوى)، في اشارة ضمنية الى تنظيم ‘القاعدة’، وقد اكد هذه الحقيقة، اي سيطرة تنظيم ‘القاعدة’ على المعابر السورية على الحدود مع تركيا والعراق المرصد الاسلامي الذي يديره السيد ياسر السري، ويختص في اخبار الجماعات الجهادية الاسلامية منذ اكثر من عشرين عاما وتتسم اخباره وتقاريره بالدقة.

وجود عناصر جهادية اسلامية على الارض السورية سيكون فألا سيئا للنظام السوري اولا، ولاسرائيل في مرحلة لاحقة ثانيا، ولدول الجوار السوري ثالثا، والمقصود بدول الجوار ليس الاردن وتركيا والعراق ولبنان فقط وانما المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ايضا.

لا نعرف ما اذا كان النظام السوري قد قرر التخلي عن سيطرته على هذه المعابر بسبب شدة ضربات المعارضة المسلحة، والاستسلام للامر الواقع ام انه فعل ذلك طوعا ولاسباب تكتيكية.

من المرجح ان يكون النظام قد اجبر على ترك هذه المعابر، وبعد ان وصل الى قناعة بان محاولة الاحتفاظ بها، والسيطرة عليها، عملية باهظة التكاليف البشرية لان اولوياته باتت محصورة في الدفاع عن المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، بعد ان وصلت الهجمات الى قلبها.

لا جدال في ان سيطرة جماعات اسلامية جهادية على المعابر السورية مع العراق وتركيا لن تكون خبرا سارا للدولتين وحكومتيهما، وهما اللتان عانتا كثيرا من هجمات هذه الجماعات على مدى السنوات العشر الماضية. فاذا كانت هذه الجماعات تركز حاليا على سورية والاطاحة بالنظام ‘البعثي الكافر’ حسب ادبياتها، فانها ستلتفت الى هذه الدول. وما بعدها، في مرحلة لاحقة بعد تحقيق اهدافها المستعجلة هذه، اي اسقاط النظام السوري.

ويرفض البعض المقولة التي تقول بان الجماعات الجهادية الاسلامية ستهاجم اسرائيل اذا ما اتيحت لها الفرصة، ووجدت لها قاعدة في سورية، ويضربون مثلا بانها، اي هذه الجماعات، والقاعدة على وجه الخصوص لم تطلق طلقة واحدة ضد اسرائيل، وربما تنطوي هذه الفرضية على بعض الصحة، ولكن علينا ان نتذكر ان تنظيم ‘القاعدة’ هاجم فندقا للسياح الاسرائيليين في مومباسا في كينيا، واطلقت احدى وحداته صواريخ لاسقاط طائرة محملة بهم. كما ان بعض خلايا مرتبطة بالتنظيم هاجمت سياحا اسرائيليين في منطقة شرم الشيخ، واشارت اليها اصابع الاتهام في تفجير خط انابيب الغاز المصري الى تل ابيب.

اثناء الانتفاضة الليبية، حاولت فصائل المعارضة الليبية نفي اي وجود لتنظيم ‘القاعدة’ او اي من الجماعات القريبة منه في ليبيا، رغم ان هذه الجماعات كانت الاكثر شراسة في قتال النظام الليبي وكتائبه الى جانب وحدات اسلامية اخرى، واتهموا من يتحدث عن هذا الوجود بانه يخدم اهداف نظام الديكتاتور، لانه مثل نظام الاسد، كان يحذر من وجود التنظيم في ليبيا ويقول انه يقاتله نيابة عن الغرب، وها هي الايام تثبت وجود التنظيم بقوة على الاراضي الليبية خاصة في الجنوب، وفي مدينة درنة التي اصبحت امارة اسلامية تطبق فيها الحدود الشرعية.

العاهل الاردني عبد الله الثاني كان آخر من اكد وجود تنظيم ‘القاعدة’ في سورية، حيث سبقه كل من ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي، وهوشيار زيباري وزير خارجية العراق، ولا نعتقد ان هؤلاء الثلاثة وغيرهم يرددون مزاعم النظام في دمشق ويعملون على خدمته وطموحاته في البقاء من خلال هذه التأكيدات.

سورية تدخل مرحلة مختلفة، وباتت معظم اطرافها خارج السيطرة وليس حدودها فقط، ولذلك ستكون مفتوحة لكل من يريد ان يحمل السلاح ويقاتل النظام وما اكثرهم، مما يعني ان الاوضاع فيها ستكون خارج السيطرة، سيطرة الحكومة وسيطرة المعارضة، ولذلك علينا ان نتوقع حربا اهلية طويلة المدى وخسائر بشرية مضاعفة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى