سورية عار العالم/ كريستيان مكاريان
تطرح الانتكاسة المريرة التي مني بها بشار الأسد في تدمر مباشرة السؤال عن قدرة نظامه على البقاء. ولا يبدو الجيش النظامي السوري بعد إصابته بانشقاقات كبيرة بقادر على استعادة المناطق المفقودة.
خلال أربعة أعوام، وبعد سلسلة من المجازر المرتكبة تحت أنظارنا، انقلبت سورية إلى بؤرة متوحشة. هاوية يقف العمل الإنساني أمامها مشلولاً، حيث أخفقت التوقعات المتعاقبة جاعلة من الخبراء العسكريين أضحوكة وأذلّت الديبلوماسيين. أظهرت سيطرة «داعش» على تدمر الأسبوع الماضي، إضافة إلى دمار هذا البلد، بدء مرحلة حاسمة تبين مرة جديدة أن الفراغ العظيم في الإدارة العالمية يشكل مهد أسوأ أنواع البربريات.
رفع «داعش» الخبير في أدوات التواصل في المجال الإرهابي، رايته على المتحف الأثري في مدينة الملكة زنوبيا، ليصعّد، بناء على خطة الجهاديين، المخاوف الدولية التي تجاوزت بأشواط الإدانة التي ولدتها المجازر الدنيئة المرتكبة من جيش نظام دمشق. وأثبت «داعش» بعد أيام من مقتل عدد من قادته في غارة شنها الجيش الاميركي أن قدراته العسكرية لم تتأثر مطلقاً رغم مرور عام من القصف الجوي في العراق وعدد كبير من الهجمات التي شنها الجيش النظامي في سورية. وقبل تدمر بفترة وجيزة، سيطر «داعش» على مدينة الرمادي في العراق محققاً انتصاراً كبيراً آخر.
تبدو الكارثة التي شكلها سقوط تدمر قاضية من نواح عدة: الاستيلاء على هذا الكنز الذي لا يقدر بثمن من الإرث الإنساني، استغلال مسلح يقصد منه صدم ضمير العالم بأسره وتوجيه إشارة إلى التشكيلات الإرهابية الأخرى في المنطقة للانضمام إلى «داعش» والقبول بالزعامة التي سيفرضها عليه. وتعتبر تدمر مسألة تكتيكية مهمة: فقد أوت في ظل حكم حافظ الأسد واحداً من أقسى سجون البلاد، تعرض الإسلاميون فيه خصوصاً إلى معاملة استثنائية في وحشيتها.
تمثل المدينة التي يقطن فيها سبعون ألف شخص عقدة أساسية في مركز الخريطة حيث يتيح الاستيلاء عليها السيطرة على الصحراء الشاسعة الممتدة إلى حدود العراق: ولم يبسط «داعش» سيطرته فقط على نصف الأراضي السورية (من محيط دير الزور إلى حلب في الشمال حيث له وجود كثيف إلى الرقة وصولاً إلى الحسكة ومنها إلى حماة)، بل ينبغي الأخذ في الاعتبار أن النظام لم يعد يملك سلطة حقيقية سوى على ما يتراوح بين 20 و25 في المئة من مساحة سورية بعد استيلاء فصائل جهادية مختلفة على مناطق واسعة. وعلى الرغم من أن المساحات التي ينشرون رعبهم عليها ليست كثيفة السكان، فإن المقاتلين في ظل الراية السوداء يسيطرون على كل الحدود السورية العراقية. ويجدون أنفسهم في موقع يؤهلهم لتهديد حمص وربما دمشق.
برغم شحنات الأسلحة الروسية وآلاف المقاتلين الإيرانيين والقوات جيدة التدريب التي أرسلها «حزب الله» اللبناني، لا يبدو الجيش النظامي السوري في وضع يتيح له استعادة الأراضي التي خسرها. وإضافة إلى الانشقاقات، يعاني من تدهور متزايد في المعنويات.
في الوقت ذاته، تدهش فيه جميع المراقبين حمى المتطوعين في صفوف «داعش» خصوصاً من الأجانب (من الشيشانيين ومن اوروبا الغربية). ويضع تنظـــيم «الدولة الإسلامية» ختمه المميت حالياً على التواصل الاقليمي بين سورية والعراق، الأسوأ وجود هيمنة ايديولوجية سنية يعتبر أنصارها أنهم فاتحون ومنتصرون على كل الشيعة على نحو يتجاوز كل ما يشبه المنظمة الإرهابية التقليدية.
أمام هذه الكارثة، انغمست كل أطراف الصراع في اشتباك لا فكاك منه. من يدعم في الولايات المتحدة أو اوروبا الرأي القائل باستئناف الحوار مع بشار الأسد شعر أنه تسرع كثيراً. لقد فات الأوان حتى على هذه الفكرة السيئة. ولم يعرف الغربيون مثلهم مثل الروس كيف يهيئون أي بديل عن استمرار المذابح، لا عن جرائم الأسد في الأمس ولا عن الفظائع التي يرتكبها «داعش» اليوم. ورغم ذلك يكمن السبيل الوحيد لخروج سورية من الجحيم في تطوير حل سياسي مشترك.
* صحافي، عن «ليكسبرس» الفرنسية، 28/5/2015، إعداد حسام عيتاني
الحياة