صفحات سورية

سورية في فيينا… بلا سوريين!/ خالد ديريك

 

 

في الحروب الأهلية تفلت زمام الأمور من أيدي المتحاربين فينتهي بهم المطاف إلى الطلاق والتقسيم في كيان منفصل أو الاتفاق والتقاسم الإجباري في كيان موحد عبر الوسطاء والأوصياء، امتثالاً للضغط والواقع الجديد. وفي الثورات تتوج المعارك بالانتصار أو الاندحار، أما في سورية فقد تحولت ثورتها، لأسباب وعوامل داخلية وخارجية، إلى حرب أهلية فظيعة وشكلت أكبر تحد يواجهه العالم.

بعد أكثر من أربع سنوات، منذ بدء الحرب السورية التي أنتجت دماراً هائلاً وأعداداً غفيرة من الضحايا وهجرة غير مسبوقة من المدنيين إلى أصقاع الأرض، بدأ داعمو الطرفين بعقد اجتماعات في العاصمة النمسوية فيينا بهدف إيجاد حل للأزمة السورية المستفحلة، لكن هذه الاجتماعات التي تضع اللمسات النهائية لتقرير المصير تتم في غياب أصحاب الشأن.

وتوصف هذه الاجتماعات بالجدية، مقارنة بالمفاوضات السابقة التي أجريت بين السوريين أنفسهم برعاية دولية في جنيف1 وجنيف 2، والتي وئدت في مهدها. وكذلك محاولات الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا الفاشلة في التوصل إلى الهدن المحلية.

فقد أصدر دي ميستورا بياناً في فييـنا بتاريخ 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، باسم المجموعــــة الدولية لدعم سورية، نصّ على البدء في إجراء المفاوضات في كانون الثاني (يناير) المقبل بين النظام والمعارضة لتشكيل حكم انتقالي مدته ستة أشهر، تتبعه كتابة دستور جديد للبلاد ثم إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في غضون 18 شهراً. صحيح أن مصير سورية والسوريين يحدده الكبار والمعنيون في غرف مغلقة، وصحيح أيضاً أن غالبية الدول المشاركة في اجتماع فيينا لها سلطة على الكثير من الجماعات العسكرية والسياسية في سورية، إلا أن هذا الاتفاق سيواجه صعوبات في التنفيذ، فالمعارضة السياسية منقسمة بين أطر وأقطاب ومختلفة الرؤى والأفكار حول القضايا الجوهرية، مثل شكل الدولة المقبلة وحقوق الأقليات والطوائف والأعراق.

فقطب الائتلاف الذي يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة يطاوله الفساد في جسمه، إضافة إلى خموله وعدم اعتراف معظم الفصائل العسكرية به كمظلة سياسية لها، ناهيك برفض البعض له بسبب تخاذله وبطئه. وقطب هيئة التنسيق (المعارضة في الداخل) فهو الآخر لا يملك الجماهير الكبيرة وليست له عقد مستعصية مع السلطة.

أما الأقطاب الكردية فقسم منها تطالب بدولة اللامركزية وآخر يطالب بالإدارات الذاتيــــة ويريد تعميمها وتطبيقها على كل سورية، وإذا ما بدأت المفاوضات الجدية ستظهر طوائف وأطراف وأقطاب أخرى تطالب بضمانات تصون حقوقها.

نستنتج مما سبق أن الهيئات المعارضة، ممثلة بالشخصيات والتكتلات، معظمها لا وزن له بين السوريين كما لا سلطة كبيرة له على الفصائل العسكرية، لذا فإن اختيار الشخصيات والوفود واللجان للمعارضة ليس سهلاً، على عكس النظام الذي له وفد سياسي واحد، إلا أنه معروف باستغلاله للوقت واقتناص الفرص، فهو سيدخل إلى المفاوضات لاحتواء المعارضة وسيحاول العمل على إنهاء كل المظاهر العسكرية وفرض شروطه وبالتالي سيرشح الأسد نفسه مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية، فمطلب رحيله يتبخر شيئاً فشيئاً ومدة السنتين كافية له لتحسين صورته وتشديد قبضته، خصوصاً أن مسألة الإرهاب وانشطاره تصب في مصلحته، بغض النظر إن كان هو السبب الأول والرئيس لظهور هذه الظاهرة واتساعها أم لا.

كما أن الأرض السورية تكتظ بالفصائل العسكرية ذات الأجندات والأهداف المختلفة، وكبرى فصائلها ستوضع على لائحة الإرهاب للمجموعة الدولية لدعم سورية، فالأردن الذي أُوكلت له مهمة تحديد الجماعات الإرهابية في سورية يرى في «داعش» و«جبهة النصرة» و «أحرار الشام» جماعات إرهابية، إضافة إلى قائمة المنظمات غير المحددة في شكل رسمي مثل «الجبهة الشامية» و «جيش الفتح». وفي الوقت نفسه، فإن «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وغيرهما من الفصائل مدعومة وممولة من بعض بلدان المجموعة الدولية لدعم سورية وتعتبرها كثوار، لذا ستغدو هذه المسألة أكثر استعصاءً إلا إذا حدثت المساومات والصفقات بين المعنيين.

من جهة أخرى إذا كان التحالف الدولي يقصف «داعش» منـذ شهور وروسيا منذ أكثر من شهر ولم يخفـض الطرفان من خطرها بعد، فكم من وقت سيستغرق التخلص من كل الجماعات المصنفة على القوائم الإرهابية وفق وجهة النظر الأردنية والمجموعة الدولية لدعم سورية وفي ظل هذا التشابك والانقسام العسكري والسياسي؟

ما الضمانة لوقف إطلاق النار وتنفيذ الخطة الدولية كاملة؟

وإذا اضطر المجتمع الدولي إلى إنزال قوات دولية للفصل بين المتحاربين وحفظ الأمن والسلام بين الأطراف المتنازعة، فهل سيفلح؟ من دون أن ننسى وجود قوات من الحرس الثوري الإيراني و «حزب الله» اللبناني وميليشيات طائفية عراقية وأفغانية وغيرها من الذين يقاتلون إلى جانب نظام الأسد.

والسؤال هو: هل هؤلاء أيضاً ستشملهم صفة الإرهاب وتجب محاربتهم؟

وهل ستنتهي المفاوضات في المدة المحددة، فلا نرى أوسلو آخر؟

وهل سينهي العالم تلك الجماعات التي يصفها بالإرهابية في غضون عامين وليس عقدين؟

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى