سورية مسرح حروب جديدة/ جورج مالبرونو
جبهة للحؤول دون استقلال الأكراد في شمال سورية، وجبهة أخرى لوقف تقدم إيران ومن يدور في فلكها في جنوبها: مثل هذه الجبهات يشتعل اليوم في سورية، إثر هزيمة داعش وخسارتها «كيانها» الجغرافي في شرق البلاد. واليوم، لا تدور النزاعات المقلقة والخطرة بين بشار الأسد ومعارضيه، بل بين قوى إقليمية أو دول جارة لسورية تريد حماية مصالحها إلى حين نهاية الحرب. ففي جوار جيب عفرين، في شمال غربي سورية، تقصف المدفعية التركية، منذ 4 أسابيع، البنى التحتية العسكرية لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، في وقت أن الهجمات الجوية الإسرائيلية في جنوب سورية تشير إلى أن الدولة العبرية ترفض أن يستقر «حزب الله» و «إيران» على الدوام هناك. وبعد سبعة أعوام على اندلاع العنف، النزاع يتحول: بروز حروب في الحرب الدائرة قد تفوز فيها روسيا- وهي مطلقة اليد في البر السوري، وبشار الأسد. ويبدو أن أنقرة وتل أبيب تريان أن نظام الأسد هو أهون الشرور في الأمد القصير.
وقبل أيام، شارفت حرب إقليمية جديدة على الوقوع حين انطلقت طائرة درون إيرانية من قاعدة «تي فور» (المعروفة بالتيفور) في وسط سورية. والطائرة هذه حاكت نموذج الدرون الأميركي RQ طراز رقم 170، الذي وقع في إيران في 2011. وعطلت الدفاعات الإسرائيلية الدرون الإيرانية بعد 90 ثانية على تحليقها في أجواء إسرائيل. ورداً على الخرق هذا، شنت ثماني مقاتلات جوية إسرائيلية عدداً من الهجمات على أهداف في سورية. ولكن على خلاف ما درجت عليه الأمور، أي عودة المقاتلات الإسرائيلية سالمة، أطلقت عشرات الصواريخ على «أف – 16 إسرائيلية. فسقطت فوق الأراضي الإسرائيلية. واحتفت دمشق و «حزب الله» بنهاية القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.
ولكن هل وقعت الدولة العبرية في فخ نصبه الأعداء الإيرانيون لتغيير قواعد الاشتباك الإسرائيلي فوق سورية؟ يرفض القادة في الجيش الإسرائيلي هذا الاحتمال. فسرعة رد دمشق تعود إلى قرار مشترك روسي وإيراني وسوري مفاده أن انتهاك الأجواء السورية لن يمر مرور الكرام. وكانت قوات روسية على مقربة من قاعدة التيفور. فاتصل الرئيس الروسي، فلادمير بوتين غاضباً ببنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي. «كان في وسع الروس الحؤول دون إطلاق الدرون الإيرانية، ولكنهم اختاروا الوقوف موقف المتفرج. وهذه رسالة قوية لم تغفلها إسرائيل»، أسرّ مسؤول عسكري إسرائيلي إلى الصحافي الإسرائيلي رونن برغمن في «نيويورك تايمز». وحال الاتصال بين بوتين ونتانياهو دون مواصلة إسرائيل الرد الانتقامي. ومنذ ايلول (سبتمبر) الماضي، تعاظم التدخل الإسرائيلي في سورية. ولم تعد الضربات الإسرائيلية تقتصر على قصف شحنات سلاح «حزب الله» في جوار الحدود اللبنانية، بل صارت تطاول مواقع في العمق السوري: قواعد عسكرية سورية ينزل فيها عملاء إيرانيون أو أتباعهم. وخلصت الدولة العبرية إلى أن الروس، شأن الأميركيين، لا يريدون إبعاد الخطر الإيراني، أي الميليشيات الإيرانية وتلك الموالية لإيران، 60 كلم عن حدودها الشمالية. وهذا مطلب إسرائيل منذ 2016، على قول الباحثة إليزابث تسوركوف. فـ «موسكو التزمت التزاماً موقتاً النأي بمقاتلين أجانب 5 إلى 7 كلم عن إسرائيل». ويبدو أن كرّ سبحة الهجمات الإسرائيلية على الجيش السوري أغضب موسكو فأجازت هذه رد الأسد.
وإلى تغير طبيعة الحرب في سورية، طرأ تغير جديد في جنوب سورية: تعاظم دعم إسرائيل للثوار مالياً (مبالغ لشراء سلاح من السوق السوداء) ومادياً (ذخائر). وتستفيد 7 فصائل على أقل تقدير من الدعم هذا. وساند الأميركيون هذه الفصائل المعارضة إلى حين قطع دونالد ترامب المساعدات عنها في نهاية 2017. وكانت غرفة قيادة العمليات العسكرية في عمان تسدد رواتب آلاف المتمردين السوريين في الجبهة الجنوبية. وحين توقف الدعم الأميركي، استكملته إسرائيل. ولكن هذه القوات أخفقت في إبعاد الميليشيات الإيرانية الولاء عن حدود إسرائيل.
ومنذ الثورة ضد الأسد في 2011، كانت الحدود الشمالية الإسرائيلية الجبهة الأكثر هدوءاً وأمناً. وإلى اليوم، لا تعتبر الدولة العبرية أن النظام السوري هو مصدر خطر مباشر عليها، بل ترى أن تبعيته لإيران هي مصدر الخطر. «في مناقشات الدوائر الأمنية في إسرائيل، تتصدر استعادة النظام السوري السيطرة على جنوب البلاد الأولويات، شرط أن يُبعِد الميليشيات الإيرانية»، تقول تسوركوف. وأوجه الشبه بين هذا الكلام وبين ما يقال عن قبول تركيا عودة النظام السوري إلى الحدود الشمالية – الغربية، إذا حال دون استقلال الأكراد، كبير. ولم يعد رحيل الأسد يتصدر أولويات أنقرة الإستراتيجية بعد القضاء على داعش. فالأولوية في تركيا اليوم هي للحؤول دون منطقة كردية مستقلة في الشمال. وقبل العملية التركية في سورية، اتفقت موسكو وأنقرة على قواعد تفادي الصدام بين قوتيهما.
والحملة التركية العسكرية هي جسر روسيا إلى ثلاثة أهداف، على نحو ما تقول صفحة مركز حميميم في سورية الفايسبوكية: 1) تقويض النفوذ الأميركي في سورية، 2) حمل الأكراد على التفاوض مع دمشق، 3) وتعزيز التعاون الروسي – التركي. ولكن موسكو لن تبلغ ما ترمي إليه إذا انزلقت الحملة التركية الى مواجهة طويلة الأمد بين أنقرة والأكراد السوريين، على شاكلة المواجهة بين «حزب العمال الكردستاني» والأتراك في العراق. وخطر مثل هذا الانزلاق كبير، في وقت تريد تركيا المضي قدماً الى الشرق نحو منبج، حيث تستقر القوات الأميركية. وإذا واصلت القوات التركية التقدم نحو الشرق، زادت أخطار مواجهات بين الحليفين الأطلسيين.
وموقف أنقرة عدائي من الولايات المتحدة التي سلحت أعداءها الأكراد. وقبل وصوله إلى أنقرة، سعى ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركية، إلى تهدئة الأكراد، وأعلن أن بلاده لم تمدهم بأسلحة ثقيلة. ولكن واشنطن لا تنوي التخلي عن الحلفاء الأكراد السوريين. وقواتها ترابط في سورية للحؤول دون انتصار إيران و «حزب الله» ودمشق في النزاع. وتوجيه الضربات الأميركية الأخيرة- وقضت فيها قوات موالية للأسد وقوات روسية عاملة في شركة خاصة- رسالة بائنة إلى الميليشيات الموالية لإيران وتركيا: عدم الاقتراب من القوات الأميركية- وعديدها نحو ألفي جندي- في شمال شرقي سورية.
* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 16/2/2018، إعداد منال نحاس
الحياة