صفحات الرأي

سورية: من نظام تسلطي الى نظام نصف تسلطي؟

 

‘العقد الأخير في تاريخ سورية جدلية الجمود والإصلاح’ لمحمد جمال باروت:

خالد وليد محمود

انفجار الثورات في أكثر بلد عربي ومنها سورية، يؤكد على أن هذا البلد الذي كان يوصف بقلعة العروبة والممانعة والقبضة الأمنية الحديدية ليس بمنأى عن الاحتجاجات الشعبية، وكغيرها من البلدان كانت نذر الثورة تعتمل لتكتمل شروطها الموضوعية والتي تراكمت عبر عقود مع غياب المشاركة السياسية ومن هيمنة المستوى الأمني على المستويين الإداري والقانوني في الدولة، ولذا يعد كتاب ‘العقد الأخير في تاريخ سورية- جدلية الجمود والإصلاح’ للمؤرخ محمد جمال باروت والذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤخرا، دراسة معمقة ومتفردة لفحص العشر سنوات الأخيرة في تاريخ سورية وهو تاريخ وراثة بشار الأسد للحكم في دولة جمهورية ويستجلي أسباب قيام الثورة في سورية وطبيعة العناصر الفاعلة فيها.

والكتاب الذي جاء في 462 صفحة من القطع المتوسط، يتتبع مسار التحول في سورية من دولة اشتراكية في اقتصادها إلى النموذج النيو- ليبرالي وتهميش المناطق والفئات الاجتماعية لمصلحة حفنة من رجال الأعمال والمنتفعين الجدد المرتبطين بالسلطة.

ويسعى هذا الكتاب إلى تقديم قراءة تاريخية تحليلية مركبة للتحولات الاقتصادية الاجتماعية التي شهدتها سورية في ظل حكم بشار الأسد والتي كان لها الآثار السلبية في الدولة والاقتصاد والمجتمع، ومهدت الأرض لتفجير حركة الاحتجاج فيها، ثم يجري الكتاب تأريخا مباشرة لسيرورة الأحداث التي شهدتها سورية في الستة أشهر الأولى من الاحتجاجات.

ولقد كانت بدايات العمل في هذا الكتاب في أواخر العام 2010 في صيغة بحث علمي موضوعي مكثف عن تاريخ سورة الراهن، لكن المؤلف لم يباشر في كتابته وإنجاز فصوله الأولى إلا في نيسان/ أبريل 2011، حيث بدأت تتسع رقعة الاحتجاجات في سورية وتجذر شعاراتها المطالبة برحيل النظام، ما أدى إلى تحويل فكرة الكتاب من بحث في تاريخ إلى بحث في أسباب الثورة السورية، وبذلك جاء الكتاب مؤلفا في تسعة فصول تقارب الأربعة الأولى منها جدلية الجمود والإصلاح في ضوء منهجية تاريخية- اقتصادية- اجتماعية – سكانية سياسية- مؤسسية مركبة، وعابرة للاختصاصات، تتعامل مع العلوم الاجتماعية والسياسية كوحدة مترابطة في التوصيف والتحليل والمنهج.

ويتتبع الكتاب التغيرات الاجتماعية الكبرى في سورية والتي شكلت المضمون الحقيقي للثورة، وتوصل الكاتب إلى أن النظام التسلطي اللبرالي اقتصاديا، بوصفه مفهوما مفتاحيا لفهم سيرورة التحول الاجتماعي والتغيير الثقافي، وعمليات اعادة الهيكلة الاقتصادية، متوقفا عند تحليل التركة الحرجة في الاستقطاب بين ‘التصحيحيين’ و’التحريريين’ في ما تعرف في سورية بمرحلة الإصلاح الثالثة.

أما الفصول الخمسة الأخرى، فقد اتبعت على مستوى الشكل مقاربة ما يدعى بـ ‘التاريخ المباشر’ في مقاربات التاريخ الجديد، وهي مقاربة تبحث في تأثير التاريخ على مجهريات التاريخ المباشر وأبعاده السكانية والإنثروبولجية والاقتصادية والاجتماعية والرمزية والتنمية والحريات، لبناء مؤشرات تفحص تطور الأحداث في سورية نحو الثورة، وتوثق ديناميات الحرك الاحتجاجي والتطورات التي أدت إلى العنف والدور التركي في الثورة وطبيعة المعارضة السورية في الداخل والخارج وموقف الطبقة البرجوازية من الثورة وإشكاليات الانتقال الديمقراطي في مجتمع مركب الهوية، ويضع الكاتب أيضا في الفصل الأخير سيناريوهات لمستقبل سورية بين التمزق أو التسوية التاريخية، وما يزيد رصانة الكتاب أنه لا يبشر بموقف سياسي وإنما يطرح بموضوعية أشكال موازين القوة بين النظام والمعارضة، محللا خطاب السلطة الذي قبل الانتقال من نظام تسلطي إلى نظام نصف تسلطي أو بعبارة أخرى أن النظام السوري الحالي يعيد انتاج النظام المصري في بداية الثمانينيات من القرن العشرين والذي تم في مصر دون ثورة ولكنه لم يحل أن تقوم ثورة في نهاية المطاف.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى