صفحات العالم

سورية والرأي العام العربي


د. مكرم خُوري – مَخُّول

استناداً الى بحث علمي كمي ونوعي يتمحور في تغطية الاعلام العربي للاحداث الجارية في العالم العربي وبلورة الرأي العام العربي، بدأت القيام به وبشكل متواصل منذ بدء التوترات في بعض الدول العربية في كانون الثاني (يناير) 2011 يتضح ان الازمة في سورية وذلك اذا ما قــــارناها بدول اخرى، ولاسباب عديدة، كانت وما زالت، اكثر ما يتم التداول بــــه عربياً حيث تنشر باقة متنوعة من الآراء وذلك وفقاً لما يبث وينشر في وسائل الاعلام العربية المرئية والمسموعه والمكتوبة بشقيها التقليدي والحديث بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي (تكنولوجيا المعلومات).

فبينما لا يتجاهل هذا المقال اداء وسائل الاعلام العربية، فهو يتمحور بالمتلقي (الجمهور المستهلك للمادة الاعلامية) وليس بوسيلة الاعلام المنتجة للمادة الاعلامية او المؤسسة الاعلامية والملاكين والقائمين عليها حيث ان هذه مواضيع مختلفه نأمل معالجتها في حلقات مقبلة.

يفترض البعض ان ضخ مواد اعلامية (بما في ذلك البروباغندا على مختلف انواعها وممارساتها) تحقق دائماً الانتصارات من حيث كسب الرأي العام.الا ان المسألة تبدو مركبة اكثر حيث سأحاول تفكيكها في سياق هذا المقال.مستثنياً من عينتي البحثية ادناه كل من هو مخبر او جاسوس او مترجم، من المنطقي ان افترض انه اذا كنت في هذه اللحظات من قراء هذه السطور فاغلب الظن انك (احصائياً) تنتمي الى واحدة او اكثر من الفئات التالية :

1 ـ سوري يعيش في سورية في مناطق حصلتتحصل فيها احتجاجات.

2 ـ سوري يعيش في سورية في مناطق الحياة فيها طبيعية او شبه طبيعية.

3 ـ سوري يعيش في سورية وتآثر بشكل مباشر او غير مباشر نتيجة اعمال العنف وبالتالي فهو ضد الطرف الآخر.

4 ـ سوري يعيش في سورية وهو تابع اقتصادياً (اي ان مدخوله) إما من الحكومة او من احد اطراف المعارضة.

5 ـ سوري يعيش في سورية ويتقاضى الاجر من اطراف خارجيةاجنبية لدعم هذا الطرف او ذاك عسكرياً او سياسياً او اعلامياً او اقتصادياً.

6 ـ سوري موال للحكم او احد اطراف المعارضة من منطلق ايديولوجي او ثقافي او ديني او طائفي دون علاقة مالية مباشرة (وممكن ان يكون مستغلا او غير مستغل من اطراف لديها اجندات لا علم له فيها .

7 ـ سوري يعيش في دولة عربية ويتأثر او لا يتأثر من التغطية الاعلامية للبلد المضيف او من الاحتكاك مع جاليته او من الاتصال باهله في سورية.

8 ـ سوري يعيش في دولة عربية ومصلحته الاقتصادية تقتضي ان يساند طرفا من الاطراف في سورية.

9 ـ سوري يعيش في دولة عربية وليس لديه اية علاقات مالية او تنظيمية لا مع معسكرات داخلية ولا خارجية ويتألم مما يجري في وطنه وعلى حيرة من امره ويتعذب نفسياً.

10 ـ سوري يعيش في دولة اوروبية او امريكا الشماليةالجنوبية او اسيا او استراليانيوزيلاند او القارة الافريقية او ما يسمى (المهجر – الدياسبورا) ويتقاضى الاجر لمساندة هذا الطرف او ذاك.

11 ـ سوري من احدى الدول في بند 9 اعلاه وقلبه على بلده حيث يأخذ زمام المبادرة في التظاهر (مع احد الاطراف) او اجراء المقابلات الصحافية او النشاط في وسائل التواصل الاجتماعية او جمع التبرعات او تقديم المساعدة النفسية او الطبية .

12 ـ عربي (غير سوري ) يعيش في سورية في مناطق حصلتتحصل فيها احتجاجات.

13 ـ عربي يعيش في سورية في مناطق الحياة فيها طبيعية او شبه طبيعية.

14 ـ عربي (فلسطيني او عراقي الخ) يعيش في سورية وتآثر (عنف او تشريد او ترحيل او انقطاع باب الرزق والخ) بشكل مباشر او غير مباشر نتيجة اعمال العنف وبالتالي فهو ضد الطرف الآخر.

15 ـ عربي يعيش في سورية وهو تابع اقتصادياً (اي ان مدخوله) اما من الحكومة او من احد اطراف المعارضة.

16 ـ عربي يعيش في سورية ويتقاضى الاجر من اطراف خارجيةاجنبية لدعم هذا الطرف او ذاك عسكرياً او سياسياً او اعلامياً او اقتصادياً.

17ـ عربي موال للحكم او احد اطراف المعارضة من منطلق ايديولوجي او ثقافي او ديني او طائفي دون علاقة مالية مباشرة.

18 ـ عربي يعيش في دولة عربية ويتأثر او لا يتأثر من التغطية الاعلامية لبلده في بلده الأم او للبلد المضيف او من الاحتكاك مع الجاليه السورية او العربية.

19 ـ عربي يعيش في بلده العربي او دولة عربية اخرى ومصلحته الاقتصادية تقتضي ان يساند طرفا من الاطراف في سورية.

20 ـ عربي يعيش في بلده العربي او في دولة عربية وليس لديه اية علاقات مالية او تنظيمية لا مع معسكرات داخلية ولا خارجية ويتألم مما يجري في سورية لكن ما من شيئ يريديمكن ان يفعله.

21 ـ عربي يعيش في دولة اوروبية او امريكا الشماليةالجنوبية او اسيا او استراليانيوزيلاند او القارة الافريقية او ما يسمى (المهجر – الدياسبورا) ويتقاضى الاجر لمساندة هذا الطرف او ذاك في النزاع في سورية.

22 ـ عربي من احدى الدول في بنــد 21 اعلاه وقلبه على بلده حيث يأخذ زمام المبادرة في التظاهر (لنصرة احد الاطراف) او اجراء المقابلات الصحافية او النشاط في وسائل التواصل الاجتماعية او جمع التبرعات او تقديم المساعدة النفسية او الطبية او غيرها.

طبعا هناك فئات وامكانيات احصائية اخرى لا نهاية لها.الفئات اعلاه تشير الى ان بلورة الرأي العام العربي لا تتم في واقع اجتماعي او اقتصادي فارغ وهي ليست عملية فورية وأوتوماتيكية باي حال لان محاولة تشكيل الرأي العام حول مسألة معينة وكم بالحري ازمة سياسية كبيرة يرتكز بشكل اساسي على واحد او اكثر من العوامل التالية:

1 ـ الاقتصادية (تبعية مالية)، 2 ـ السياسية (مدى ادلجة الشخص، ثقافته وتجربته السياسية والخ)، 3 ـ الثقافية:النظم القيمية والمعتقدات التي يؤمن بها، 4 ـ النفسية: الخوف من شيئ ما او على شيئ ما او الشعور بعدم الامان وبامكانية فقدان االاستقرار (الاقتصادي او العاطفي او الاجتماعي) او الحرمان: من ممارسة او اختيار اسلوب حياة وفقاً لمعتقدات او ايديولوجية معينة، او فقدان شخص او مجموعة عزيزة، او خسارة السلطة او الوظيفة او مستوى معيشة او الشعور او العيش في حالة من الفقدان او الضياع.5 ـ الاجتماعية: وكالات التنشئة الاجتماعية مثل البيت او المدرسة او المؤسسة الدينية او الاندية (الجالية، الحارة، صداقات واماكن العمل والخ) او وسائل الاعلام ومحتواها (وكل ما تنشره من حقائق او اكاذيب متعمدة او نتيجة مراوغات او لقاء اجر او لانها اصلاً وسيلة ابواق تقصد التضليل) .

لنتناول اذن النقطة الاخيرة والتي تتعلق بوسائل الاعلام كوكالات تنشئة اجتماعية وفقا للنظم القيمية التي تؤمن بها والى الايديوليوجية التي تريد الترويج لها لكي تتبناها شرائح مجتمعية من المشاهدين:

رغم مسؤوليتهم عمن يستضيفون في وسائل اعلامهم، والمسؤولية مسألة غير موضوعية ومنحازة تختلف من وسيلة اعلام الى اخرى باختلاف ايديوليجيتها وخطها السياسي، تجدر الاشارة في هذا السياق الى ان هذا المقال لا يعالج الاداء الوظيفي للعاملين في وسائل الاعلام بل خلفية واداء أولئك الذين تستضيفهم وسائل الاعلام للتكلم او الكتابة عن موضوع معين وفي هذه الحالة عن سورية بالتحديد.

علمياً، تحليل الاحداث في سورية يمكن ان يقع في فروع مختلفة من الفروع العلمية والمجالات المهنية المتعددة وجميعها يتطلب ان يكون (هذا اذا ما ابتغينا المنهج العلمي) التأهيل الاكاديمي والمهني في احدى المواضيع التالية على سبيل المثال لا الحصر:

العلوم السياسية وبالتحديد ‘الحكم’، العلاقات الدولية، التجارة الدولية، الاقتصاد، القانون الدولي، تاريخ او ادارة النزاعات المسلحة او الحروب، علوم اجتماعية (سياسية) بما يتعلق بانواع القادة والقيادات، الحرب النفسية، الهندسة (المباني، الملاجئ، الطيران، التخطيط الهيكلي والخ)، الطب وادارة المستشفيات والامور اللوجيستية، الاساطيل البحرية، الطاقة والخ.

فكل مرة تتم استضافة هؤلاء الضيوف (ليس المراسلين او من هم من مذيعين ومقدمي برامج في الاستوديو) يجب على المشاهد والمستمع والقارئ ان يسأل نفسه عن خلفية هذا المتكلمالكاتب ومؤهلاته وخبرته من عدمها في موضوع البحث ومكان تواجده وباسم من يتكلم ومن يمثل ومن خوّله وكيف اكتسب او لم يكتسبها شرعيته ولماذا تمت استضافته اصلا.فمثلا، بينما يستطيع ضيف سوري او عربي من مؤيدي هذا الطرف او ذاك التحدث من باريس او نيويورك او لندن او الكويت فغالباً من الممكن تصنيف ما يدلي به (الا اذا كان خبيراً مؤهلاً في المجال المطروح) كرأي شخصي مؤيدمحرض حيث يعبرعن رؤية الضيف وعواطفه وطموحاته وآماله والتي لا تعكس بالضرورة او على الاطلاق الواقع على الارض (بؤرة الصراع) حيث انه لا يستعمل اية ادوات علمية او مهارات مهنية.

المسألة الثانية تتعلق بالاخبار التي تستند عليها وسائل الاعلام العربية والتي ترد من مصادر معلومات متنوعة كشبكة المراسلين العاملين لديها او مراسلي وكالات اخبار وتقوم هي بنقلها وهذه بالتالي تنعكس على مصداقية هذه المصادر والمعلومات.فغالباً ما يتم استضافة المعلقين الضيوف بعد بث خبر معين (او في برنامج بعد نشرة اخبار) لا يتم بالضرورة من خلاله مد الجمهور بالحقائق الكاملة حول الاوضاع الراهنة، للتعليق عليه.احدى نقاط الضعف هنا تكمن في ان غالبية وسائل الاعلام العربية إما انها تدعي:

1 ـ انه ليس لديها مراسلين في سورية لعدم منحهم التصاريح اللازمة.

2 ـ ان السلطات السورية تمنع دخول وسائل الاعلام بشكل عام.

3 ـ ان السلطات السورية تمارس رقابة شديدة على الاعلام.

4 ـ او انها (وسائل الاعلام) تسمي ‘مصادرها’ باسماء لا يمكن التأكد من مصداقيتها او صحة ما تبلغ به مثل: صرحت ‘مصادر حقوقية’ او’مؤسسات المجتمع المدني’ او ‘المرصد’ او ‘ناشطون’ حيث يتحول كلام ‘ناطق’ يجلس في نيويورك ويتكلم عن سورية استناداً الى كلام ‘ناشط’ في لبنان استند الى كلام ‘مستمع’ في درعا تكلم مع ‘شاهد’ في حرستا الى اخبار معتمدة، بينما يمكن ان يكون بعض من تستضيفهم وسائل الاعلام او تستقي اخبارها منهم مجرد مقنعين بمسميات مختلفة وما هم الا جزء من ماكينة البروباغندا المخطط لها.

عدم المهنية او الخلل في الاستقامة تظهران عندما تتحول كل هذه الامنيات والشعارات والمعلومات الغير مدققة الى العناوين الرئيسية لنشرات الاخبار ويخطط لها ان تستهلك على الى انها ‘الحقيقة’ بينما هي محاولة لنسج اسطورة جديدة قد تساهم في المزيد من الالم.

اذا كانت النقاط اعلاه لتعالج بشكل نقدي فيجب ان نسأل الاسئلة التالية:

1 ـ على اساس اية مادة اعلامية (عربية تبث في وسائل الاعلام العربية) اذن تجري محاولة صياغة الرأي العام تجاه ما يحدث في سورية بانعدام مصادر معلومات تدقق بمهنية وشفافية فيما يصلها وتسطيع فرز الاشاعات من الحقائق؟

2 ـ كيف اذن يتم تمرير كل هذه المشاهد والصور عبر الهواتف (والتي لا يمكن التحقق من صحتها) اذا كانت هناك رقابة شديدة و’كل وسائل الاتصالات مقطوعة’ في سورية؟

3 ـ كيف يمكن للكتاب والمحللين (الضيوف) الذين يتكلمون عبر وسائل الاعلام او يكتبون في الصحف اتخاذ موقف بناء ً على معلومات غيرمدققة ويقومون بانتاج الآف الكلمات المبنية على : ‘إذا صح’ و اذا ‘صدق’ و’اعتقد’ و’اتمنى’؟.

هذا لا يقول على الاطلاق انه ليس من حق غير الخبراء التكلم وعدم تعبير كل منهم عن رأيه (شعراً ام نثراً) الا اذا كان خبيراً مؤهلاً في الموضوع.لكن هناك فرق ما بين تشكيل الرأي العام من قبل خبراء مؤهلين (عرب او غيرهم) لكي يكون الجمهور على بينة وبين محاولة تشكيل الرأي العام العربي استناداً على من هم من الهواة او دعاة ترويج (باجر او غير اجر) يظنون ان ادارة مصائر الدول والشعوب والمجتمعات تتم عبر مهارات مسرحية بلاغية لا علاقة لها بالواقع لا بل انها ترتبط بحياكة مشهد يراد للجمهور تخيلة او رؤيته.

بينما تم التركيز في هذه الحلقة على ضيوف وسائل الاعلام من جهة والمتلقينالجمهور من جهة اخرى، يبقى ان نشير الى انه ولمعرفة مدى تأثير او عدم تأثير وسائل الاعلام (مذيعين ومراسلين وضيوف) على محاولة بلورة الرأي العام العربي ومشاركة الافراد في الازمة السياسية (ونشاطهم السياسي) من اي من الفئات (الديمغرافية والجغرافية والعمرية والجنس: نساء ورجال) المذكورة اعلاه يجب اجراء الابحاث الاكاديمية المسحية بمهنية علمية وباستمرار.

ويشار الى انه حتى الان لم يتم اجراء مثل هذه البحوثات العلمية المهنية حول موقف الافراد والمجتمعات العربية على اختلاف انتماءاتها مما يجري في سورية بالتحديد، ولذلك فمن الصعب تكهن النتائج الكمية والنوعية بالنسبة لهذه الازمة وموقف الرأي العام العربي. وحتى القيام بمثل هذه الابحاث قد يكون من المفيد ان نستشهد بالأية الكريمة ‘قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..’ (الزمر):

‘ كيمبريدج، انجلترا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى