سورية وخطر “الصراع على السلطة”
سليمان يوسف يوسف
أن يتحول مجلس الشعب (أعلى سلطة تشريعية) الى مجرد كورس للشعر والهتافات والتصفيق لرئيس الدولة ودماء المتظاهرين المحتجين على سياسات الحكومة وطريقة حكمها تسيل في شوارع المدن السورية، ثم شطب مداخلة للنائب (يوسف أبو رومية) عن مدينة درعا في جلسة مجلس الشعب يوم 27 آذار الماضي والتي حمل فيها صراحة قادة الفروع الأمنية مسؤولية وقوع قتلى وجرحى بين المتظاهرين، مشاهد تؤكد على عمق الأزمة الوطنية المتفجرة في سوريا.
هذه الأزمة مرتبطة بشكل مباشر ببنية الاستبداد وبطبيعة النظام الشمولي (السياسي/الأمني) الذي يحكم البلاد منذ عقود طويلة.حتى الآن، لا يبدو ان “الإرادة السياسية”المطلوبة لحل الأزمة متوفرة لدى القيادة السورية أو بالأحرى لدى “صناع القرار”في سوريا. لقاءات الرئيس بشار الأسد بزعماء القبائل والعشائر وبوجهاء الطوائف وبرجال الدين المسيحي والاسلامي، من مختلف المحافظات والمناطق السورية، تؤكد إصرارالقيادة على بقاء باب الحوار الوطني مغلقاً في وجه قوى المعارضة الوطنية واستبعادها من المشاركة في الحكم.
فيضوء غياب الشفافية والمصداقية في مقاربة السلطات السورية للأزمة الراهنة وفي طريقةتعاطيها مع المحتجين في الشارع،من غير المتوقع أن يقوم صناع القرار بأية اصلاحاتسياسية نوعية ومهمة من شأنها أن تنال من سلطتهم أو أن تمس طبيعة النظام الشمولي القائم.كل ما أعلنته واتخذته السلطات حتى الآن من خطوات اصلاحية (سياسية وغيرسياسية) هي شكلية لا تعدو كونها مناورة للالتفاف على المطالب الأساسية والمشروعةللشعب السوري، التي لخصها وعبر عنها المتظاهرون والمحتجون بـ (الحرية والديمقراطيةوالكرامة).حتى إقالة حكومة المهندس (ناجي العطري) لا يمكن اعتبارها خطوة مهمة على طريق الاصلاح السياسي المطلوب، خاصة وأن كل الحكومات في ظل سلطة الاستبداد وهيمنة النظامالأمني هي مجرد حكومات تصريف أعمال لا أكثر.أن الأزمة الراهنة والمتفجرة اليوم في الشارع هي أكبر وأعقد من أن تحل عبر إقالة حكومة وتشكيل أخرى.
ورغم أهمية رفع “حالة الطوارئ”، القائمة في البلاد منذ قرابة نصف قرن، من غيرالمتوقع أن يحدث رفعها أي تغيير نوعي مهم في الحياة السياسية والحريات،اذا ما بقيالنظام الأمني ممسكاً بالمجتمع والدولة ومسيطراً على الحياة العامة في البلاد.لابل،قد يترحم السوريون على “حالة الطوارئ” اذا ما طبق قانون “مكافحةالارهاب” الذي تتحدث عنه السلطات كبديل.وما يقلل من أهمية ما قرر أو اتخذ منخطوات اصلاحية، انعدام تام لثقة الشعب بالحكم، وهذا ناتج عن عقود طويلة من التضليل الممنهج الذي مارسه النظام القائم على الشعب السوري.
باستثناء خطابين للرئيس بشار- أمام مجلس الشعب والحكومة الجديدة- منذ انطلاق حركة الاحتجاجات قبل أكثر من شهر، تبدو القيادة السياسية غائبة كلياً عن المشهد السوريالمتفجر.هذا الغياب يعزز وجهة النظر القائلة بأن: ملف الأزمة هو بعهدة “الأجهزة والدوائر الأمنية” وليس بعهدة “القيادة السياسية” كما يجب ويفترضأن يكون. ما يعزز وجهة النظر هذه، رهان النظام في معالجة الأزمة الراهنة بالدرجة الأولى على “الخيار الأمني” (اللجوء الى الاعتقالات التعسفية وللعنفالمفرط لإخماد الحراك الشعبي الاحتجاجي السلمي ووصمه بالتخوين وربطه بالخارج لتبرراستخدام القوة ضد المتظاهرين)، وليس على الحلول والمعالجات السياسية والاجتماعية المطلوبة التي ينتظرها الشعب السوري.
طبعاً، الرهان الأمني ليس حلاً. فمثلما أخفقتالسلطة في احتواء الاحتجاجات في الشارع بتحايلها على المطالب الأساسية للشعب، كذلك لا يمكن للحلول الأمنية أن تشكل أو أن تكون حلولاً ناجعة لمشكلة هي (سياسية/اجتماعية) في جوهرها وجذورها. حتى لو نجح النظام في إخماد الاحتجاجات بقوة القمع لا يعني طيملف الأزمة وعدم تفجرها من جديد.اذ ستبقى نار تحت الرماد ستشتعل بمجرد هبوب عليهاالريح المناسب وبالوقت المناسب.
أن التعاطي مع الأزمة الوطنية المتفجرة من منظور أمني و كمن يعطي دواء لغير داء فتزيد حالة المريض سوءاً وتدهوراً.لهذا تبقى الأزمةالسورية مرشحة لمزيد من التفاقم والتصعيد في الأسابيع المقبلة، هذا ما تقوله وتتحدثعنه الوقائع على الأرض.فرغم استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين والحصار الأمني المفروض على المدن والبلدات السورية التي شهدت التظاهرات الاحتجاجية ومضاعفة الاجراءات الأمنية وحملات الاعتقالات التعسفية، توسعت دائرة الاحتجاجات في الأيام القليلة الماضية وارتفع سقف الشعارات في ما سمي بـ”الجمعة العظيمة”، التي جاءت بعد يوم واحد من صدور عدة مراسيم رئاسية تقضي برفع حالة الطوارئ والغاء محكمة أمن الدولة وتنظيم المسيرات السلمية.رغم تعقد وقتامة المشهد السوري وتسارع الأحداث والتطورات في الشارع، أعتقد بأن ثمة فرصة تاريخية أمام الرئيس بشار في انقاذ البلاد.
الفرصة هي:أن يستجيب الرئيس وبشكل سريع وقبل فوات الأوان للمطالب المشروعة والمحقة للشعب السوري.في مقدمة هذه المطالب:إنهاء احتكار (حزب البعث العربي الاشتراكي) للسلطة بإلغاء “المادة الثامنة” من الدستور، والمباشرة فوراًبوضع الآليات الدستورية المناسبة والكفيلة بتحقيق “التداول الديمقراطي السلمي للسلطة” في البلاد.
أعتقد بأن هذه الخطوة السياسية الاصلاحية وحدها كفيلة بحل الأزمة الوطنية المتفجرة وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الفتنة والفوضى و الدخول في “صراع مفتوح على السلطة” الذي بدأ يلوح في الأفق بعد أسابيع منانطلاق الاحتجاجات في سوريا.
آن الأوان لتدرك القيادة السورية بأن الشعارات الثوريةوالقومية فقدت بريقها وتلاشى مفعولها السياسي، وبأن زمن”الحزب القائد” و” القائدالملهم” و”الرئيس الأبدي” و”هيمنة قومية معينة على أخرى”قد ولى وانقضى من دون رجعة. أنه زمن الشعوب الحرة الرافضة للذل والعاشقة للحرية والراغبة بالعيش الكريم.
الشعب السوري ليس أقل من الشعوب الأخرى في تطلعاته وطموحاته السياسية.أنه على قدر كبير من الوعي الوطني والنضج السياسي والفكري لكي يختار نظامه (السياسي والاجتماعي والاقتصادي) الذي يرغب به.
ايلاف