سورية ورقة مقايضة/ بشير البكر
توقفت سورية عن أن تكون بلداً كامل السيادة، منذ تولت إيران شؤون الأمن الداخلي للبلد في بداية الثورة السورية عام 2011، غير أن الأمر، في ذلك الوقت، لم يكن ظاهراً للعيان، وبقيت التدخلات الإيرانية تتم بعيداً، وفي سرية تامة، لأنها كانت ترتكز على عمليات أمنية استشارية، وخصوصاً تصدير خبرات الأجهزة الإيرانية في مجال القمع التي اكتسبتها، بصورة خاصة، من مواجهة ثورة 2009 الخضراء. وتسرّبت في ذلك الوقت معلومات، على نطاق ضيق، عن إنشاء إيران غرف عمليات أمنية في المدن السورية الكبرى، مثل دمشق وحمص ودرعا، هدفها رصد المتظاهرين على الأرض وتصويرهم، ثم تقديم المشورة للأجهزة السورية لمطارداتهم. وهكذا تم القضاء على الصف الأول من قيادات التنسيقيات السلمية، واعتقال الصفين الثاني والثالث، وشملت المساعدات الإيرانية، في تلك الفترة، أدوات التجسس على الهواتف وشبكات الإنترنت، وكثيراً ما جرى اعتقال ناشطين من مقاهي إنترنت في أحياء بعيدة عن مراكز المدن، بفضل تكنولوجية الرصد الإيراني، الصينية المنشأ.
وحين اتسع نطاق الثورة، صارت التدخلات تأخذ الطابع المباشر، من خلال إرسال الخبراء العسكريين والأسلحة والمليشيات، ووصل الأمر إلى الحراسات المكلفة بأمن الرئيس السوري شخصياً. ويقول العارفون، إن الدائرة الأمنية المكلفة بأمن بشار الأسد إيرانية مائة في المائة. وامتدت التدخلات الإيرانية إلى الشأن الاقتصادي، من خلال الديون والمساعدات، حتى صار مطلعون يتحدثون عن شراء إيران ضواحي في بعض المدن السورية، مثل دمشق وحمص، مقابل ديون على النظام، وهذا ما يفسر الإصرار الإيراني على نقل سكان كفريا والفوعة الشيعة إلى الزبداني، ونقل سكان الزبداني السنة إلى ريف إدلب، وهذه المقايضة ذات بعد طائفي مباشر، ضمن مخطط إيراني، يمتد من الساحل السوري حتى جنوب لبنان.
لم تكن روسيا بعيدة عن هذه المقايضات، فهي طرف في جانبيها السياسي والأمني، فدعمها النظام السوري لم يتوقف طوال السنوات الأربع الماضية، وبات النظام يدين لموسكو بمليارات الدولارات، ويعلم الروس أن تحصيل هذه الديون ليس مطروحاً في الوقت الراهن، وأنهم سيحصلون مقابلها على قواعد عسكرية وحضور أمني، لكن الأمر تطور، في الآونة الأخيرة، إلى حد أن الروس صاروا يلوحون بالورقة السورية في مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة وتركيا والسعودية. وللأطراف الثلاثة، أيضاً، كلمتها المسموعة جداً في الشأن السوري، بفضل حلفائها من الفصائل المسلحة على الأرض. وتبدت المقايضات الروسية الأميركية خلال أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في كلمتي الرئيسين الأميركي، باراك أوباما، والروسي، فلاديمير بوتين، فكلاهما ضرب على الوتر الحساس، وهو عقدة الأسد التي باتت أثمن ورقة مساومة بالنسبة للروس، وهما اختلفا عليها، في اليوم الأول، ثم عادا إلى تخفيض سقف المساومات، في اليوم الثاني، وتبيّن أن الروس لا يريدون بيع هذه الورقة الآن، لأنهم لم يحصلوا على السعر المناسب بعد، وليست ورقة بشار الوحيدة التي يملكها الروس، بل إن الكثير من أوراق التفليسة السورية صارت في يدهم، وهم كتجار بازار سيستثمرون الوضع السوري سنوات طويلة، مستفيدين من وجود الأسد وداعش، وكان أطرف ما تسرب عن لقاء أوباما بوتين، أن الرئيس الأميركي طلب من نظيره الروسي وقف قصف المدنيين بالبراميل “مقابل شيء ما” تحصل عليه روسيا.
واقع الحال يقول، إن سورية تحولت إلى ورقة مساومة، بكل ما فيها، وهي مفتوحة لكل من هو قادر على البيع والشراء. وحتى لو انتهت الحرب قريباً، فإن السنوات الأربع الماضية أفرزت حالة من التمزق التي ستظل تتغذى من ميراث حروب الداخل والخارج. ولكي تعود سورية بلداً مستقلاً ذا سيادة، فإنها بحاجة إلى أكثر من حرب تحرير.
العربي الجديد