سورية ومحيطها والتقسيم
مصطفى زين
كل المناشدات التي أطلقتها المعارضة السورية للدول الغربية والعربية لإطاحة النظام عسكرياً على الطريقة الليبية (بعض المنظرين الغربيين استوحوا النموذج البوسني) لم تلق استجابة. الأسباب كثيرة، أهمها أن سورية بموقعها الإستراتيجي مختلفة كلياً عن ليبيا أو البوسنة، حدودها مفتوحة على العراق القابل للإنفجار من جديد، وهذا ما لا يريده الأميركيون، ومتداخلة مع لبنان المهيأ أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى الحرب الأهلية (مسارها الجديد سيأخذ الطابع المذهبي). وعلى حدودها الأردن الذي يخشى انتقال المعركة إلى داخله وإعادة إحياء «خيار الوطن البديل» إذا عمّت الفوضى ودخلت إسرائيل طرفاً في إعادة رسم خريطة المنطقة، وهجر الفلسطينيون أو نزحوا طوعاً إليه. من هنا موقف عمان المرتبك وغير الواضح مما يدور لدى جارتها، على رغم بروز مؤشرات، خلال الأسبوعين الماضيين إلى حسم خيارها لمصلحة المعارضة.
وقبل هذا كله، سورية على الحدود الفلسطينية ولديها أرض محتلة، ولن تنتظر الدولة العبرية طويلاً، إذا سقط النظام، كي تضمن لنفسها مساحة في الترتيبات الجديدة، يساعدها في ذلك كثير من العوامل التي استجدت خلال السنوات القليلة الماضية، وواقع النزاع المذهبي في المنطقة، فضلاً عن هزيمة الدولة الممانعة وتحولها، مرة أخرى إذا سقط النظام، إلى «مكونات» تتنازع السلطة والنفوذ. وقد بدا ذلك واضحاً خلال مؤتمر القاهرة برعاية الجامعة العربية حين اختلفت «الأجنحة» المعارضة على الحصص، وانسحب الأكراد احتجاجاً على عدم الإعتراف بخصوصيتهم، واعلن أكثر من طرف معارضة البيان الختامي وعدم الإعتراف بشرعية المؤتمرين.
أما سورية النظام فغائبة عن مؤتمرات «اصدقائها» في اسطنبول وتونس والقاهرة وباريس، ولم تكن السبب في فشل كل هذه المؤتمرات. وغابت (غيبت) عن مؤتمر جنيف الذي حضرته الدول المعنية بالأزمة وغير المعنية، الصغيرة والكبيرة، المؤثرة وغير المؤثرة، والذي اتخذ قرارات لن تنفذ، على رغم كل ما قيل عن تغيير الموقفين الروسي والصيني.
أما الإصرار على اتخاذ قرارات في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أعني إصرار الجامعة العربية، فكمن يطلب المستحيل في ظل الإنقسام الدولي والصراع الحاد على الموقع الجيوـ استراتيجي لسورية بين الأعضاء الدائمين في المجلس، أو بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا ومعهما دول «بريكس» من جهة أخرى. فالمطالبة بالبند السابع من دون اللجوء إلى القوة العسكرية، على ما جاء في بيان الجامعة، فمن قبيل الإعتراف بالعجز وتعويضه بالتصعيد الكلامي الذي لا يفيد المعارضة ولا يخيف النظام. قوة هذا البند في تهديده باستخدام السلاح.
تكمن نقطة الضعف الأساسية لدى المعارضة في عدم توحيد رؤيتها حول هدف أساسي للتمرد، غير إطاحة الأسد. وفي عدم وضوح استراتيجية الفصائل المعارضة، المتكاثرة كالفطر، لما بعد سقوط النظام. لا يكفي طرح شعارات الديموقراطية والحرية والتعددية، فعلى أهمية هذه الشعارات يبقى تطبيقها رهناً بديموقراطية المطالبين بها، وهذا ما لم يظهر في كل المؤتمرات التي عقدت. أهمية سورية بموقعها الجيوـ استراتيجي. وقد استخدم النظام الحالي، والأنظمة السابقة هذا الموقع، بنجاح أحياناً، في تكريس دمشق لاعباً أساسياً في محيطها، وفي الأطراف التي تعتبرها جزءاً من بلاد الشام. في لبنان، وفلسطين، والأردن. وفي المحيط المباشر، أي العراق.
الصراع الآن على هذا الموقع وليس على الديموقراطية، على أهميتها. فإما سورية الموحدة ذات الحضور الفاعل أو سورية الضعيفة المجزأة طائفياً وعرقياً، لكل دولة، صغيرة أو كبيرة، تأثيرها في توجهاتها.
خطر التقسيم والفوضى العارمة يخيم على سورية، وعلى محيطها أيضاً.
الحياة