بعد خسارته ما يزيد عن ثلاثة آلاف دولار في محاولاته المستمرة للحصول على جواز سفر، للوصول إلى دولة تمنحه حق اللجوء، وتحميه من السقوط في أيدي السلطات السورية، لا يزال عمار يحتفظ ببعض الأمل بإيجاد مخرج يمكنه من تحقيق ما يصبو إليه. فبعد انشقاقه عن الجيش السوري، هرب الشاب العشريني إلى لبنان، ليعيش حياة أقرب إلى التخفي. وذلك لعدم امتلاكه أوراقاً رسمية تمكنه من التنقل بحرية.
وتعود تجربة عمار الأولى في محاولة الحصول على جواز سفر، حسب ما روى لـ”المدن”، إلى أواخر العام 2012. دفع، حينها، مبلغ 700 دولار ضاع في قنوات السمسرة، التي وعدته بتأمين جواز سفر “نظامي” له من دمشق. وهذا ما لم يحصل. حاول بعدها استخراج جواز سفر من منطقة خرجت عن سلطة “النظام”. “ضاعت أيضاً. وانقطع التواصل مع الشخص الوسيط الموجود في جنوب تركيا بعد أن حولت له مبلغ الـ1500 دولار أمريكي”. عندها قرر الشاب الخروج بطريقة غير شرعية إلى تركيا، من أجل السفر بحراً كما يفعل الكثير من الشبان السوريين الذين يحاولون الدخول إلى أوروبا ومن ثم التقدم لدى السلطات بطلب اللجوء. “كلفتني هذه المحاولة 1000 دولار وقد ضاعت مجدداً بين سماسرة سوريين ولبنانيين، يبدو أنهم يعملون بشكل مشترك”، على ما قال.
تتشابه حالة عمار مع آلاف الحالات التي ساهم طول أمد الأحداث بإبرازها. وهذا ما جعل الحصول على جواز سفر أمراً ملحاً، خاصة بين المغتربين السوريين الذين انتهت مدة صلاحية جوازاتهم ولم يتمكنوا بعد من تجديدها لاعتقادهم بأنهم مطلوبون لدى “النظام”. كما حدث مع حسام الذي خسر عمله في دولة الإمارات العربية ما أجبره على السفر إلى تركيا ليبقى هناك عالقاً خلف حدود بلاده المقفلة أمامه، بانتظار تأمين مبلغ ألفي دولار ليشتري جواز سفر.
سمسرة وتزوير
ازدياد الطلب على جوازات السفر دفع العديد من الأشخاص إلى اعتمادها مهنة. ففي المناطق المحررة، على سبيل المثال، ظهرت العديد من المكاتب التي تضع إعلانات صريحة تدل على اشتغالها بمعاملات جوازات السفر أو البطاقات الشخصية وحتى رخص القيادة. وهي سمسرة، في معظم نشاطها، تقتصر على خداع المواطن عبر استخراج وثائق وجوازات سفر مزورة. بالإضافة إلى ذلك تُستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في الإعلان عن هذه الخدمات وتوضيح كل السبل والإجراءات لطالبيها.
تختلف مستويات التزوير في وثائق السفر. ويؤدي مكان إصدارها دوراً حاسماً في معرفة “جودتها”، حسب ما ذكر أحد الأشخاص الموجودين في تركيا، والذي أشار إلى أن “ثمن وثيقة السفر بلغ 2000 دولار. إذ يتم استخراج جوازات مزيفة من خلال المراكز الرسمية التي خرجت عن سلطة النظام في الرقة وحلب. وهي جوازات حقيقية من حيث الورق والطباعة لكنها غير مختومة وشيفرتها غير مفعّلة، الأمر الذي لا يمكن كشفه إلا في المطارات من خلال أجهزة المسح”.
ويلفت إلى أن ثمة “حالات كثيرة جرى خلالها استصدار جوازات سفر لمعارضين مباشرة من إدارات الهجرة والجوازات التابعة للنظام، عن طريق سماسرة لديهم علاقات مع موظفين في سلك الأمن الداخلي السوري المعروف بالفساد وقبوله للرشى”. ومن خلال تقاطع بين المعلومات تبين أن بعض الحالات لإصدار جوازات سفر نظامية كلفت الساعين إليها ما يعادل 1500 دولار.
النظام يضيق على السوريين في الخارج
من جهته قام “النظام”، في سياق تضييقه على السوريين في الخارج، بإصدار تعميم عن “إدارة الهجرة والجوازات” في بداية شهر أيار الماضي، خاص بتجديد جوازات السفر بالنسبة للسوريين والفلسطينيين السوريين المقيمين خارج سورية. وذلك تمهيدا لإصدار قانون جوازات السفر الجديد الذي تحدث عنه وزير الداخلية في وقت سابق.
وقد جاء في التعميم أنه “استناداً للكتاب رقم 2184/أ تاريخ 3/ 5/ 2014 واعتباراً من تاريخه يجب العمل على تجديد جوازات سفر المواطنين السوريين ومن في حكمهم المقيمين خارج القطر لمدة ستة أشهر غير قابلة للتجديد”. وأكد التعميم أنه بالنسبة “للراغبين بالحصول على جوازات سفر وفي حقهم إجراءات (توقيف أو منع مغادرة) لصالح احدى الجهات الأمنية القضائية فلا يتم تجديد جوازات سفرهم، إلا بعد عودتهم إلى القطر وتسوية أوضاعهم أصولا”. وبناءاً على هذا التعميم فان الكثيرين من السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا سوريا لأسباب عدة، سيحرمون من الحصول على جوازات سفر سورية مما يعرضهم لخطر الترحيل أو السجن في البلدان التي هاجروا إليها هرباً من جحيم الحرب في سوريا.
وعلى غرار الكثير من المسائل التي تمرر في ظل الفساد في الإدارة السورية، يبقى أن من يملك المال هو من يستطيع الحصول على جواز سفر أو ينجز معاملاته الحكومية. أما الغالبية العظمى من المواطنين السوريين فستظل تعاني من عدم إمكانية الحصول على جواز سفر سواء كان مزورا أو “نظاميا”، ليكون مصيرها الركوب في قوارب الموت.
المدن
