سوريون في أوكرانيا.. بلا حاضر ولا مستقبل/ صفوان جولاق-كييف
إلى أعالي السماء بلغت آهات السوريين، ولم يبق على الأرض مكان خال من صداها، ومن تداعيات مأساة قلت نظيراتها في التاريخ، ففي أوكرانيا قدر لنحو ألفي سوري أن يكونوا عالقين، فالحرب أتت إما على مدنهم أو بيوتهم أو ذويهم وإن لم يكن ذلك كله، فشبح الاعتقال أو التجنيد حاضر يحول بينهم وبين ما كانوا يسمونه “وطنا”.
مأساتهم اليوم لا تقتصر على سوريا، بل على عقدة الحصول على حق اللجوء في أوكرانيا التي ترفض كل طلباتهم ومحاولاتهم وحتى توسلاتهم، كما يقولون.
علي الخلف هو أحد الطلاب الذين قدموا إلى مدينة خاركيف شرق أوكرانيا قبل اندلاع الثورة السورية، لكنه فصل من الجامعة بسبب الحرب التي حدت من قدرة أهله على تأمين مصروفه.
قال الخلف للجزيرة نت إن أهله نزحوا إلى ريف دير الزور ولا يستطيع العودة لأن تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على المنطقة، ولأنه مطلوب للخدمة في جيش النظام.
أما الطالب محمد كرو فتقاذفه القدر من أزمة سوريا إلى مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا، ثم هرب من حرب اشتعلت في الأخيرة مع الانفصاليين ليجد نفسه عالقا أيضا مفصولا من جامعته وعاجزا أمام “حلم اللجوء”.
وثيقة حماية
بالإضافة إلى علي ومحمد هناك عشرات السوريين العالقين في أوكرانيا التي لا تمنح لهم إلا “وثيقة حماية” تمدد كل بضعة أشهر بصعوبة بالغة.
السوري أحمد قال للجزيرة نت إن هذه وثيقة إجبارية لتكون إقامتك قانونية، لكن استخراجها صعب ومكلف بسبب بعض من يحتكر استخراجها، ومع ذلك لا يمكن بموجبها فعل أي شيء، لا الدراسة ولا السفر ولا العمل.
أما فؤاد فبدأ حديثه بتساؤل “ماذا نفعل؟ إنهم يتقاذفوننا وينتفعون منا بطلب المال، يقولون صراحة لن تحصلوا على اللجوء لأن بلدنا في أزمة، مع أن القانون يضمن لنا ذلك، لكنهم لا يطبقونه”.
وأضاف أن الحكومة الأوكرانية طلبت منهم الخروج من البلاد ثم العودة لقبول طلبات اللجوء، لأن تأشيراتهم خاصة بالدراسة أو العمل أو السياحة سابقا.
في المقابل، أكد أن السفارة الأوكرانية لن تعطيهم تأشيرات لأنهم من سوريا، على حد قوله.
ويزيد من هذا الواقع الصعب كثرة المحتالين والمبتزين من حول طلبة اللجوء، وهنا تكثر القصص التي لا تقل ألما ومأساوية.
الحدود الأوكرانية
محمد شاب هرب مع أسرته من سوريا إلى روسيا، ثم فوجئ بأن من ساعده “شبيح” يملك شركة سياحية في دمشق، أخذ منه كل ما يملك في موسكو (ثلاثون ألف دولار) بحجة أنه يحمل الجنسية الروسية، وحتى لا تصادر شرطة الحدود المبلغ منه، ثم هربه عبر الحدود الأوكرانية، وتركه مع أسرته بلا مال ولا وثائق.
والقصص المشابهة كثيرة عن سوريين وعراقيين وقعوا فريسة للمحتالين الذين وعدوهم بتسهيل الهجرة وغد مشرق، ثم انتهى بهم الأمر إلى طلب لجوء مستحيل، أو حتى في مراكز اعتقال.
في دوائر الهجرة والجوازات لا يمكن الحصول على أجوبة مقنعة، فكل الموظفين يؤكدون على حق الجميع تقديم طلبات اللجوء والحصول عليه، لكن أحدهم لا يستطيع تفسير سبب رفض طلبات الجميع أيضا.
وقالت مسؤولة دائرة للهجرة في مدينة “خاركيف” أولغا كيرني للجزيرة نت إن أوكرانيا غارقة في أزماتها، أزمة النازحين من مناطق شرقها، وإن هذا السبب الوحيد الذي يفسر رفض طلبات الأجانب، لأنه يزيد أعباءها.
وللحقوقي منتصر بلبل رأي آخر، فقد قال إن جهات معينة في السلطات تتعمد إبقاء كم معين من اللاجئين معلقين، لأنها تأخذ من أجلهم معونات، ولهذا لا تسمح لهم بالاستقرار أو السفر.
زيادة اللاجئين
وأضاف بلبل -وهو ممثل مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة- أن أوكرانيا تخشى زيادة أعداد اللاجئين السوريين وغيرهم على أراضيها، أو هجرتهم منها لاحقا إلى دول أوروبا، الأمر الذي تعهدت بمنعه أمام الاتحاد الأوروبي.
ولفت إلى أن البيروقراطية وتعقيدات القوانين هما “أم المشاكل” التي يعاني منها اللاجئون عموما، والسوريون خصوصا، لأن القانون يجبرهم على مغادرة البلاد ثم العودة، وقوانين أخرى تمنعهم من المغادرة والعودة.
واعتبر بلبل أن ما يحدث لطالبي اللجوء جريمة، وأن الحلول التي تطرحها أطراف مسؤولة -لم يسمها- لا تبت للإنسانية بصلة، كأن يقضي طالب اللجوء سنة ونصف السنة في معتقلات المهاجرين غير النظاميين ليقبل طلبه لاحقا، حتى وإن كانت لديه زوجة وأطفال أوكرانيون.
وأشار إلى سعي حثيث تقوم به مؤسسات وشخصيات حقوقية ونواب برلمانيون لتعديلات على القوانين تجبر دائرة الهجرة على تسهيل أمور طالبي اللجوء، ومنحهم إقامات سنوية على الأقل.
لا يتفاءل الكثيرون بفرج قريب، لكن معظمهم يجمعون على حقيقة أن القدر أفقدهم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم في عالم لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، كما يقولون.
جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة
2017