صفحات مميزةفايز ساره

سوريون في المنفى!


فايز سارة *

خرج مئات آلاف السوريين من سورية تحت تأثير التطورات العاصفة التي احاطت ببلدهم في العام ونصف العام الماضيين نتيجة اعتماد النظام الحاكم الحل الامني العسكري في معالجة الازمة القائمة في البلاد، وعلى رغم ان مغادري سورية توزعوا في كثير من بلدان العالم، فإن قسماً مهماً منهم استقر في البلدان القريبة لاعتبارات متعددة، ربما كان الاهم فيها، انها كانت الاقرب الى مناطق سكنهم، وكان بين اهلها بعض من اقاربهم او معارفهم، وهي الانسب اليهم اجتماعياً وثقافياً، والأقل كلفة في موضوع الانتقال وفي تكاليف العيش ايضاً.

وفي سياق هذا الحراك السوري، توزع قسم من سوريي المنفى الجدد على الدول المحيطة، وفي ترتيب ذلك ذهب القسم الاكبر من سكان الجنوب الى الاردن، فيما اتجه سكان مناطق ريف دمشق الغربي وقسم من سكان حمص الى لبنان، ولجأ القسم الاكبر من نازحي ادلب وبعض مناطق غرب حلب الى تركيا، وغادر بعض اهالي الحسكة ولا سيما الاكراد الى شمال العراق.

غير ان السوريين الذين غادروا الى البلدان المحيطة، لم يسجلوا جميعاً في عداد اللاجئين الى تلك البلدان. اذ لم يتجاوز عدد المسجلين ما مجموعه 125 ألف لاجئ موزعين الى: 44 ألفاً في تركيا، و39 ألفاً في الأردن، و34 ألفاً في لبنان، و10 آلاف في العراق. وكلهم يقاربون نحو ربع عدد السوريين الذين غادروا الى بلدان الجوار، ولم يتم تسجيلهم فيها، وهو حال كثير من السوريين الذين غادروا في العام ونصف العام الماضيين الى بلدان اخرى، ولا سيما الى بلدان الخليج ومصر وأوروبا هرباً من التداعيات الامنية، لكن لا تتوافر احصاءات عن أعدادهم، والتقديرات تشير الى ان أعدادهم كبيرة، وفي مصر وحدها قيل ان عدد السوريين تجاوز نصف المليون نسمة، وهي تقديرات تقارب عدد السوريين الذين ذهبوا الى بلدان الخليج العربية، وقد شجع تصاعد أعداد السوريين في مصر، ان السلطات هناك لا تفرض شروطاً على اقامة السوريين، فيما منحت بعض دول الخليج العربية، ولا سيما السعودية السوريين تسهيلات استثنائية لإقامتهم هناك.

لقد واجه سوريو المنفى الجدد صعوبات كثيرة في خروجهم وإقامتهم، وكذلك في توفير سبل الحياة لهم، ولا سيما الفقراء الذين توجهوا الى بلدان الجوار عبر معابر غير شرعية. فقد غادر اغلبهم وسط ظروف شديدة القسوة بعد ان تعرضت مناطقهم للقصف والاجتياح والمداهمة الامنية، وفقد كثير منهم اقاربهم وممتلكاتهم ومصادر عيشهم، وتعرض كثير منهم الى ملاحقات وإطلاق نار من جانب دوريات الحدود على الجانبين ولا سيما من الجانب السوري، ثم واجهوا صعوبات الاقامة في بلدان اللجوء كلها بفوارق طفيفة، وكان لافتاً موقف كل من السلطات اللبنانية والعراقية في موضوع اللاجئين السوريين، حيث قيّدت الاولى تحركاتهم وضيّقت عليهم، ومنعت الثانية دخولهم حيث اغلقت الحدود في وجههم، وتناست حكومتا البلدين احتضان سورية الملايين من اللبنانيين والعراقيين على مدار العقود الثلاثة الماضية بفعل ما عاشه البلدان من تطورات عنف داخلية وحروب عدوانية خارجية تعرضا لها.

ولم يقابل اللاجئون السوريون بالإجحاف من جانب حكومات الجوار فقط، بل إن دولاً كثيرة، ضيّقت فرص سفر السوريين اليها بخاصة بعدما اغلق الكثير منها، لا سيما الاوروبية، سفاراته في دمشق، وصار الحصول على فيزا للذهاب الى تلك الدول صعباً ومحدوداً، وهو يترافق مع صعوبات الاقامة هناك، اذا تم السفر الى تلك البلدان.

وأُحيط موضوع اللاجئين السوريين ببعض حيثيات التجاذبات السياسية والطائفية في دول الجوار. فقد قاربت القوى المؤيدة للثورة اللاجئين واحتضنتهم على نقيض موقف القوى المؤيدة للسلطات السورية في تلك البلدان، وغالباً فإن التجاذبات الطائفية أطلت بوجهها القبيح في موضوع اللاجئين، حيث بدا المسلمون السنّة اقرب الى اللاجئين، فيما كان المسلمون الشيعة والعلويون على الضفة الاخرى وبخاصة في لبنان وتركيا، الامر الذي اشار الى تصاعد الاحتدامات الطائفية في دول المنطقة.

وباستثناء الظروف السياسية والامنية السيئة، فإن الظروف المعيشية لم تكن احسن، اذ عجزت المنظمات الانسانية عن القيام بمسؤولياتها في تأمين احتياجات اللاجئين المسجلين لديها، ولم تتمكن المنظمات الاهلية والمدنية هي الاخرى بسبب قلة امكاناتها من تغطية احتياجات اللاجئين من سكن وغذاء وطبابة وتعليم، ما جعل قسماً منهم يعيش ظروفاً غير انسانية.

خلاصة القول في موضوع سوريي المنفى الجدد، انهم ذهبوا الى المنفى في ظروف صعبة، وأن تلك الظروف رافقتهم في خروجهم، وأن الكثير منهم عانوا وما زالوا يعانون في بلدان المنفى، وأن الاعانات هي اقل من ان تغطي احتياجات اساسية لأغلب اللاجئين وأسرهم، وكلها تقع مسؤوليتها على النظام الحاكم اولاً، لكنها تستدعي من الدول، ولا سيما جوار سورية والهيئات الدولية والانسانية التدقيق في سياساتها في موضوع الذين يخرجون من بلادهم في الظروف الراهنة سواء سجّلوا في سجلات لاجئي الامم المتحدة او لم يسجلوا.

* كاتب سوري

الحياة

موسم الهجرة من سوريا..إلى أين؟

فايز سارة

خلاصة الوضع بالنسبة للسوريين، انه لم تعد هناك منطقة آمنة في بلادهم، والمناطق التي لا تدكها القذائف حالياً، ستصبح هدفاً، وتلك التي سبق قصفها سيتم قصفها في وقت لاحق، كما يبدو من الوقائع. والأسوأ مما سبق، ان حالة قلق السوريين وخوفهم على حياتهم واستقرارهم حاضرة بالنسبة لأغلبية السوريين خارج بلادهم ايضاً، وهذه مأساة حقيقية، ان يفقد شعب، أو القسم الرئيسي منه، حقه بالأمان، وفي الحفاظ على حياته وممتلكاته ومصادر عيشه.

ففي العديد من المحافظات السورية يتواصل سقوط القذائف على التجمعات السكانية من مدن وقرى وأحياء، ويصاب السكان من دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل، فيسقط قتلى وجرحى، ويتشرد منهم كثيرون، ويلجأ بعضهم الى مناطق اخرى، فيما يغادر البعض الى خارج البلاد. وهكذا صارت المحصلة، عشرات آلاف القتلى وأضعافهم من الجرحى، ونحو مليونين من المشردين في البلاد، وأكثر من نصف مليون ممن غادروا البلاد هرباً مما يجري ليصيروا لاجئين في الدول المجاورة أو في الابعد منها.

لقد نزح سوريون من حمص الى دمشق وريفها، وآخرون وصلوا الى دير الزور وحلب، وبعض هؤلاء النازحين لم يسلم في مناطق النزوح الجديدة من الوقوع قتيلاً أو جريحاً، وحال نازحي حمص يشبه في هذا الجانب، حالة نازحين من درعا وريف دمشق واللاذقية وادلب ودير الزور وغيرها، ممن غادروا أماكن إقامتهم هرباً من قصف، ليقعوا ضحايا قصف حيث استقروا في أماكن جديدة.

وحالة السوريين الذين غادروا البلاد لم تكن أحسن حالا في أغلب الاحيان. فبعض الذين غادروا الى دول الجوار، تعرضوا لقصف القوات السورية في منافيهم الجديدة مرات وهذا ما حدث في لبنان والاردن وتركيا، وقد قتل وجرح بعض السوريين بفعل عمليات القصف تلك. بل في حالات عديدة واجه الهاربون السوريون من القصف تدخلات وملاحقات ومضايقات وظروفاً أمنية واقتصادية واجتماعية، شديدة الصعوبة، شكلت انتهاكات فجة لحقوقهم الإنسانية البسيطة، بل ان سلطات بلد عربي مجاور هو العراق منعت دخول السوريين الى العراق الذي طالما احتضن السوريين من أبنائه الكثيرين ممن وصلوا سوريا هاربين من عسف الدكتاتورية أو لاجئين خوفاً من حمام الدم، الذي جاء عقب الاحتلال الاميركي، أو باحثين عن فرصة أفضل للحياة، وكان بين هؤلاء قادة العراق اليوم، بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال طالباني.

والقسوة التي تصيب الهاربين من القصف، تتعدى ما يجري في سوريا ودول الجوار الى الابعد منهما. حيث جرى تصعيب إمكانية دخول السوريين الى عشرات من دول العالم بصورة صريحة أو مضمرة. ففي الحالات التي تم إغلاق سفارات لدول اجنبية في سوريا، صار من الصعب الحصول على فيزا إلا من البلدان المجاورة، وصارت فرص الحصول على فيزا اقل بكثير مما كان عليه الامر في السابق خوفاً من بقاء الزوار في تلك البلاد، وتحولهم الى مهاجرين محتملين، وهو ما تصر تلك الدول على عدم القبول به ولو بصورة مؤقتة.

ان الصعوبات التي تحيط بالسوريين في ظل استمرار الازمة التي تطحنهم وبلادهم، صارت أكثر مما يستطيع السوريون احتماله. ففي الفترة السابقة تحملت مدن وقرى، نتائج العمليات الامنية العسكرية، من خلال تضامن أهلها، ومساعدة سوريين آخرين في داخل البلاد وخارجها، المعنوية والمادية، لمساعدتهم في استمرار القدرة على العيش، غير انه مع شيوع عمليات القصف وما فيها من قتل وتدمير، صارت الظروف أصعب بكثير، حيث الأعداد التي كانت بحاجة للمساعدة تضاعفت مرات، في وقت تناقصت فيه قدرات من يمكن ان يقدموا المساعدة، وصارت قدرات المحيط الاقليمي والدولي أضعف من استيعاب موجات المهاجرين اليها لسبب أو لآخر، فيما عجزت المنظمات الدولية المعنية بالاغائة والمساعدة عن الوصول الى المستحقين من السوريين، أو قصرت في تلبية احتياجاتهم.

وحيال العجز أو التقصير في مساعدة السوريين والهاربين من القصف بصورة خاصة، لا بد من التوجه نحو معالجة جدية وجذرية للوضع بدل معالجة نتائجه أو بعض منها، وخاصة ما يتعلق بشؤون الاقامة والمساعدات الطبية والغذائية وما الى ذلك، والتوجه مباشرة الى وقف إطلاق النار، ومنع قصف التجمعات السكنية، الامر الذي يعني بدء عودة الهاربين والمهاجرين الى بيوتهم، وهذا سيساعدهم في التوجه نحو استعادة حياتهم وتطبيعها.

ولا شك بأن تحولاً بالمعنى السابق مرتبط بإطار لحل سياسي في الازمة السورية القائمة، وهو أمر ما زال النظام لا يستجيب له بصورة عملية، ما يعني ضرورة ممارسة ضغوطات وتدخلات هدفها إجبار النظام على وقف عنفه وقبول مبدأ حل سياسي، يأخذ سوريا الى تغيير جوهري في نظامها بحيث ينقله من نظام ديكتاتوري استبدادي الى نظام ديموقراطي تعددي، يوفر العدالة والمساواة لكل المواطنين، الامر الذي يمنع بصورة نهائية تكرار عمليات قصف السوريين وبالتالي ضياعهم في البحث عن مكان يذهبون اليه هرباً من القصف والمعاناة نتيجة ذلك.

كاتب سياسي ـ سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى