سوريّا..مجازر النظام وعزيمة الشعب
مهنا الحبيل
مثلت صورة القمع الوحشي في تلكلخ السورية والفارين للبنان وجثث المدنيين في حمص وخاصة صورة المدني الممدد بدمائه بعد قنصه من الأمن السوري وصورة الحليب المندلق في الأرض الذي كان يحمله الشهيد للأطفال ومع مقابر درعا الجماعية تجسدت حقيقة إستراتيجية النظام , وهو نَزعُه إلى استعادة أبشع تراثه القمعي الذي نُفّذ في حماة وتقدم به إلى درعا التي شكّلت تاريخاً أسطوريا لها ولكل إقليم حوران قادت به مسيرة الحرية السورية التي كان تقديرها لدى المراقبين من البداية أنها مُكلفة مع طبيعة النظام الأعنف لكنّها بالفعل اخترقت حتى الآن كل مساراته وهي صامدة أمام اقتحام الجيش الأخير لبلدات حوران وحمص وبانياس وتلكلخ .
هذا الصمود الشعبي المُكلف لتحالف النخبة الخاصة في النظام يُفسّر وحشية اجتياح المدن , فالصورة التي عرضتها القنوات العالمية لارتال الدبابات وهي تعبر مزارع درعا مع مشاة أمامها وخلفها دون تعرضهم لطلقة واحدة ذكّر الناس بمشهد الزحف العسكري الدوري الذي عاشته مناطق فلسطين المحتلة للجيش الإسرائيلي مع الاستذكار بان طوال فترة حكم النظام لم تنفذ هذه العمليات على الجبهات السورية مع الاحتلال بما فيها الجولان .
ثم تتابع الأمر حين رصدت الكاميرات الشخصية قصف الدبابات لمنازل المدنيين في المدن المحاصرة ومنعت سيارات الإسعاف أو أي من الأطقم الطبية أو المتطوعين بسحب جثمان العشرات من الشهداء , الذين تلقى بعضهم قصف الرشاشات الثقيلة وهو ما أدى إلى انفجار كامل لرأسه فلم تعرف هوية الجثة إلا من بطاقة الشهيد .
وقصف خزانات المياه لحوران ومصادرة شاحنات الطحين لمخابزها يعطي مؤشّرا إلى قضية الوقت الذي يُصارع معه النظام رغم انه دخل إلى بلدات حوران دون مقاومة واثبت للعالم في ساعات تكذيب ذاته بانتفاء أي وجود مسلح في مواجهته , خاصةً مع الشهادات التي قدمها أهالي المجندين العسكريين مصورة مع جثامينهم في إفادات يقينية أن العسكريين الذين قتلوا كانوا في إطار تصفيات نفذتها فرقة كانت نواتها سرايا الدفاع اكبر تشكيل عنف دموي نفذ مجازر حماة وغيرها وذلك لرفض أولئك العسكريين قصف أو قتل المتظاهرين .
قبيل بدء الهجوم على درعا كرّس النظام دورة جديدة من إعادة ترتيب أوراقه الإعلامية , وحضر ممثلوه مؤتمرا في بيروت تدعمه إيران لمحاولة الإسناد الإعلامي للنظام بعد تصاعد التعاطف الإعلامي العربي والعالمي مع انتفاضة سوريّا , وفشل عمليات التشويه التي تبنّاها إعلام النظام ومحوره الإيراني بكل فروعه .
ومبادرة النظام لهذا المحور لأنه من أهم وسائل التعمية على فترة المجازر ومبرراتها فيما بعد , لكن كل المؤشرات تعطي دلالة أن النظام وحلفاءه الإيرانيين يخسرون هذه المعركة , وهنا وقفة مهمة للغاية لمسار دعم الانتفاضة السورية ودعم مسيرة الحرية والخلاص , فتصاعد الحشد الإعلامي وتواصله مع شهود العيان عامل حيوي للغاية لإنهاك النظام وخسارته لمرحلة المجازر والدماء المحروقة وتصعيد التكلفة عليه لتكون بناء انطلاق جديد لمرحلة جديدة لمصلحة جمهورية الحرية السورية وعمقها العربي لقد.تتبعنا مسار قرار الانتفاضة بعد مجازر الجمعة العظيمة ومجازر اجتياح درعا وحمص ووضح أن الانتفاضة ورغم حقّها المشروع في الدفاع عن المدنيين بكل الوسائل إلاّ أنها متمسكة بسلمية الانتفاضة ومواصلة ذات الطريق وقد بدا القرار موحدا في كل مدن القطر , وهذا يعني بوضوح ثقة في رؤية القيادة الميدانية وائتلافها , وبلا شك بأنهم قد احتسبوا لتكاليف هذا القرار وهو ما يجب التأكيد عليه بان الأيام القادمة ستحمل مشاهد دموية اشد مما رأيناها لطبيعة النظام ووحشية مشاعره فضلا عن وسائله .
غير أن مما يجزم به أن ضريبة الصمود في هذه المرحلة نتيجتها كارثية وانقلابية على النظام كيف ذلك :
إن بدء امتصاص مشهد المذابح خاصة مع الحصار وبدء تفاعل مدن القطر وتصاعده يسبب تصدعا واضطرابا في البناء العسكري الذي شهد بالفعل حملة تمرد صغيرة حاليا وستكبر وبالذات لان التشكيل العسكري يحمل تنوعا وان كان يعتمد على النخبة الفئوية , فصمود درعا وتحرك مدن القطر , وتحريك البناء المجتمعي المدني الإنساني ليضغط في كل الاتجاهات أمر مرجّح للغاية وهو المتوقع , ورغم أن سوداوية ذكرى مذبحة حماة محيطة بالذاكرة الوطنية والعربية والنظام سعى لها بالفعل من خلال قصف منارة المسجد العمري في درعا.
إلا أن التأمل الهادئ الذي يجب أن ينفصل في قراره الاستراتيجي عن الانهيار العاطفي يتوجه إلى اختلاف الوضع على الأرض وفي العالم والمحيط العربي , وخاصة في شبكة قيادة الميدان التي أظهرت قدرة فائقة في تطوير اتصالاتها وتوزيع مهامها وحراكها بين مدن القطر , ولذلك فان المقاومة المدنية للنظام ستكون مكلفة له كلما استمر الصمود وتنوع الميدان القطري واسند سياسيا و حقوقياً , وهو ما لم يستطع المحور الإيراني مواجهته وخاصة أن هذا المحور يحارب الشعب السوري مع ما تعنيه هذه الحقيقة من مصادمة شعورية عنيفة للتضامن العربي الحقوقي , وان قُدّاساً معظما لا ينقطع يقدمه شهداء سوريا في لوحة وحدة عظيمة وعزيمة مذهلة لهي محل تنزل تلك الأقدار التي تبارك انتفاضة حقٍ لشعبٍ أراد الحياة واراد الآخرون له الموت …وقد حسم التاريخ أن إرادة الحياة هي المنتصرة
الغد