صفحات الناس

سوق المهن اليدوية الدمشقية في .. سجون النظام!/ ناصر علي

 

تقع “سوق المهن اليدوية”، وسط العاصمة دمشق. ما إن تدخل هذا المكان حتى تأخذك الدهشة بالعمارة القديمة والزخرفة العثمانية الإسلامية المبهرة. الفيء يسيطر على المكان في عز شهر آب، حيث يتجمع في السوق زوارها هرباً من الحرارة المرتفعة.

يتوسط المكان “المسجد القديم”، وحوله غرف احتوت قبل سنوات قليلة خيرة حرفيي الشام. في كل زاوية ينتشر “الفلكور” الدمشقي بكل ألقه. كانت السوق تغص بعشاق يشترون هداياهم. أزواج يصلحون أساور زوجاتهم الفضية والذهبية. أجانب يلتقطون الصور التذكارية، ويشترون ما يحلو لهم من تحف دمشق القديمة المصنوعة بأيادٍ مبدعة، أما الآن تكاد تخلو السوق حتى من العابرين.

حرب وإهمال وفساد

يبدو أن السوق، اليوم، لا تعاني من ظروف الحرب فقط، فالخطر أكبر، إذ أن السوق مهددة بالانهيار لقدمها وإهمالها، كما يرى أحد أعضاء غرفة سياحة دمشق، والذي رفض ذكر اسمه. ويضيف لـ”العربي الجديد” أن “هذا الوضع المزري الذي وصلت إليه سوق المهن اليدوية، ليس وليد اللحظة، وإنما نتيجة لتراكم أخطاء على مدى سنوات طويلة، لم يتم خلالها التنبه لما قد يحصل للسوق، ناهيك عن الفساد في غرفة سياحة دمشق والمحسوبيات، التي كانت تركز على حلول فردية لبعض المحال التجارية ضمن السوق وإهمال ما تبقى”.

السوق القديمة التي يبلغ عمرها أكثر من 500 عام وصلت إلى مرحلة لم تعد تنفع معها الأعمدة التدعيمية، التي باشرت بإنشائها “محافظة دمشق” بالتعاون مع “مديريتي الآثار والسياحة”. إذ بدأت التشققات بالتزايد، وهذا ما دفع الحرفيين إلى مغادرة السوق، بسبب الكلفة الباهظة التي تم فرضها عليهم لتجديد محالهم، وهم في أغلبهم مستأجرون. ونتيجة الصراع الدائر في البلاد لم تعد السوق تستقبل السياح، وكذلك أدى الحصار المفروض على البلاد إلى عدم مشاركة الحرفيين السوريين في المعارض الخارجية، مما أدى إلى خسارات كبيرة لهم.

يأس من الواقع

“أبو أحمد” أحد الحرفيين المعروفين داخل السوق، يتحدث لـ”العربي الجديد”: إن أغلب الحرفيين سافروا خارج البلد، وقبل الأزمة فرضت علينا العصابات إتاوات كبيرة، وهذا كله في ظل تراجع مبيعاتنا وقلة نشاطاتنا في المعارض العربية والدولية، وكذلك قيام بعض التجار هنا في السوق باتهام بعض الحرفيين بتأييد الثورة، مما أدى إلى سجن بعضهم وهروب آخرين.

يتدخل في الحديث صاحب محل الفضيات المجاور لأبو أحمد، وبكلمات يائسة يعبر عن الحالة التي وصلت إليها السوق، “إن المهن الفنية في سورية قد انتهت في ظل الحرب الدائرة، ومن بقي من الحرفيين إنما يحاول لأنه فقير ولا يملك فرصة عمل خارج الوطن”.

تجد في السوق بعض المحال التي رممت بشكل أنيق ولكن بعد قليل تكتشف أنها فقط 6 محال تم الاتفاق بين “وزارة السياحة” و”الأمانة العامة للتنمية” لاستثمارها من أجل الحفاظ على أصالة المهن اليدوية وتطويرها بشكل يضمن دعم مكانة وسمعة المنتج السوري، “كما تقول وزارة السياحة السورية”… ولكن السؤال، ما بقي من المحال من سيدعمها، وعلى أي أساس تم اختيار تلك المحال؟

في الوقت نفسه، لم يعد هناك حرفيون يهتمون بالإجابة عن تلك الأسئلة، إذ يحذر كثير منهم من قرب انهيار السوق، “قد تسقط فجأة إذا ما أصابها صاروخ أو قذيفة هاون طائشة، وهنا ستفقد البلاد أثراً مهماً بسبب الإهمال وحماقة المؤسسات الرسمية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى