سوناتا زرقاء/جون آشبري
قديماً كان الماضي آخذاً في التشكل على هيئة “الآن”
و”الآن” ليس إلا الإنطلاقة في طريقٍ جديدٍ
وبلا معالم. إذ إن “الآن”، الذي شوهد مرةً
من البعيد، هو قدرُنا
أيّاً كان ما يجري علينا. والماضي
الماثلُ أمامنا والذي منه جُبلت ملامحنا
وظنوننا. نكون النِصفَ منه ولا
نكترث لبقيتِه. نحن
نرى أمامنا ما يكفي من المسافة لكي تظل بقيتُنا مضمرةً في الجوار الذي هو ساعةُ الغلس.
نحن نعرف أن هذا الآونة من النهار تأتي كل يوم ونشعر بها، إذ هي جديرة بذلك، كما
هو جديرٌ بنا أن نظهر على طبيعتنا في هذا الشوط الذي نحن فيه وليس في يومٍ آخر، أو
مكانٍ آخر.الوقت توائمنا
خُيلائُه، طالما
لا نتزحزح عن موقفنا، وعن نفَسَ
التحول، قبل أن يُرى التحولُ،
أو يتخذ كل المظاهرِ التي يدلّ عليها، الآن.
الأشياء التي كانت موضعَ حديثٍ
قد أتت وغادرت ولمّا تزل قيد التذكّر
باعتبارها معاصرةً. هنالك ذرةٌ من الفضول
في أساس شيءٍ جديدٍ ما، يكشف عن
علامة الإستفهام خاصته كموجةٍ جديدةٍ على الساحل.
في شروعنا لأن نعطي، لأن نتخلَّى عمّا مَلَكْنا،
أدركنا أننا قد إكتسبنا أو تم إكتسابنا
من قبل ما كان يشق طريقه، مزدهياً بلمعة
الأشياء المنسيّة والمستعادة حديثاً.
كل صورةٍ تأخذ مكانها، بطمأنينةِ
أننا لا نملك الكثير، نملك ما يكفي فحسب.
نحن نحيا في تنهيدة حاضرنا.
لو كان ذلك هو كل ما يمكن أن نتحصّله
لاستطعنا أن نعيد تخيّلً النصف الآخر، نستنتجه
من هيئة ما يُشاهد، وبذا
يتمّ أخذه في حسبانه كيف هي
خطوتنا التالية. سيكون مأساوياً أن نستقر
في الفراغ الناشيء عن كوننا لم نصل بعد،
كي نتفوه بالخطاب الذي ينتمى إلى هناك،
لأن التقدم يطرأ من إعادة اختراع
هذه الكلمات عبر تذكرنا الضبابي لها،
وفي إنتهاك ذلك الفراغ بطريقةٍ
تتركه على حاله. لكننا في النهاية
ننتمي إلى هذا المكان، وقد تنقّلنا لمسافةٍ
معتبرة؛ ومرورنا مظهرٌ كاذبٌ.
غير أن تفهـّمنا له أمرٌ مبرر.
ترجمة غسان الخنيزي